أثناء بحثي للحصول على المعلومات لهذا المقال شدتني مقارنة بالارقام "حولتها لجدول" ذكرها الشيخ حسن الصفار من خلال بحثه حول عدد الكتب والمقالات المكتوبة عن أهل البيت وبعض الشخصيات الغربية، وتبين حجم الاهتمام بهذه النماذج من الشخصيات مع فارق الموقعية والمكانة التي نعتقدها لأهل البيت (ع) ومع فارق المدة الزمنية للكتابة عنهم.
ماذا قدم أهل البيت (ع) للبشرية؟
أبومحمد 24 يوليو 2019
ماذا قدم لنا أهل البيت
غير الاحكام الفقهية والعقائدية؟ أليس الانسان العادي قادر على تقديم مثل ذلك؟ ما هو
العطاء والإنتاج الذي قدموه؟ هل تحدث أهل البيت عن مختلف حقول المعرفة (الفلسفي، المادي،
الروحي، الحقوقي)؟ وكما هو معروف فدائما ما تعرف الشخصية بعطائها وانتاجها وإذا أردنا
ان نكتشف عظمة الشخصية يجب ان نعرف عطائها ونتاجها وهو المقياس، إذا ماذا قدم أهل
البيت (ع) للبشرية؟
في البداية يجب ان نعرف
ان هناك عالمين وهما عالم (الخلق) وعالم (الأمر) عالم الخلق العالم المادي والذي يستطيع
الحديث عنه الفلاسفة والعلماء والمخترعون وعالم الامر وهو عالم غامض فهو ما وراء المادة
وهذا العالم لا يمكن الوصول لمعرفته الا من خلال النبي (ص) وأهل بيته (ع)، فوظيفة أهل
البيت (ع) هي هداية مجتمع البشرية إلى العالم الآخر عالم (الأمر) وهم بذلك يكونون نجوم
في سماء البشرية مثلما غيرهم بفضل اختراعاتهم كانوا نجوما.
ما أن سنحت الفرصة
للأئمة حتى تم تأسيس اول مدرسة في الإسلام تهتم بالتخصص العلمي وتضع اللبنة
والركائز الأولى له للتقدم العلمي والفكري والثقافي وهي مدرسة الامام الصادق (ع) في
القرن السابع ميلادي وذلك لسد حاجات المجتمع في مختلف مجالات الحياة في ذلك الزمان
وكذلك تميزت بتواجد كل التوجهات والمذاهب فيها ومن التخصصات التي تخرجت من هذه المدرسة
(مجالات علوم الفقه واصوله وعلم تفسير القرآن) مثل "زرارة بن أعين، أبان بن تغلب،
أبو حنيفة، مالك بن أنس"، (مجال حكمة الوجود) مثل "المفضل بن عمر"،
(مجال المناظرات) مثل "هشام بن الحكم"، (مجال علم الكيمياء) مثل "جابر
بن حيان"، (مجال الطب) مثل "المفضل بن عمر، جابر بن حيان".
وسنذكر باختصار بعض
المجالات التي أسهم أهل البيت (ع) في الإضافة لها وتصحيحها وتنقيتها:
المجال الفكري والانساني:
فأهل البيت (ع) قدموا
نتاجا غزيرا على مستوى تصحيح الفكر وجعله مثمرا وكنموذج أنظر لنهج البلاغة وكلمات الامام
علي وباقي الائمة (ع) من مواعظ وحكم لهذا يمتاز المذهب الامامي بالعقلانية لان العقل
أحد مدارك الاستنباط فمثلا اعتمد الإمام الصادق (ع) في مجال علم الكلام على ركيزة العقل
ويقسم الى دليل فلسفي ورياضي ونرى ذلك بوضوح في مناظرة الامام مع أبو شاكر
الديصاني أحد قادة الالحاد في ذلك الزمان واستخدام الدليلين الرياضي والفلسفي.
ولأن علوم اهل البيت
(ع) "عقلانية" فنلاحظ كيف نبغ الشيعة من تلامذة الائمة في ذلك في كل زمان
ومكان:
(علم الكلام): أول من
تحدث عنه هو الكميت بن زياد وهو أحد تلامذة الائمة، هشام من الحكم تلميذ الامام
الصادق (ع)، وأبو الحسن النوبختي صاحب كتاب فرق الشيعة، صاحب كتاب الإنصاف في الإمامة،
هشام بن سالم، مؤمن الطاق وغيرهم.
(الفلسفة): صدر المتألهين،
إبن سينا صاحب كتاب الشفاء، الراوندي صاحب شرح المطالع في الفلسفة وغيرهم.
(الأدب) : رواد
الادب من أصحاب الائمة مثل الفرزدق، الكميت، دعبل الخزاعي، الشريف الرضي، المتنبي وأبو
نواس وأبان ابن تغلب تلميذ الامام زين العابدين (ع) وغيرهم.
(علم النحو): أول
من وضع علم النحو هو أبي الأسود الدؤلي وهو أول من وضع النقاط على الحروف أخذ هذا
العلم من الإمام علي (ع) عندما قال له: "الكلمة إما اسمٌ أو فعلٌ أو حرفٌ، فالاسم
ما أنبأ عن المسمّى، والفعل ما أنبأ عن حركة المسمّى، والحرف ما أوجد أو دلّ على معنى
في غيره". تلميذه الخليل ابن أحمد الفراهيدي أول من وضع علم العروض وكتب في اللغة.
المجال الطبيعي والمادي:
أسهم أهل البيت في ذلك
بصورة او بأخرى حسب زمانهم وحسب مستوى مدارك ذاك الجيل ونذكر منها التالي:
في الطب: المفضل
إبن عمر الجعفي تلميذ الامام الصادق (ع) الذي لديه كتاب "توحيد المفضل" فيه
يحوي الكثير من أسرار الخلق والطبيعة وعلم التشريح وفوائد الأدوية ومعرفة وظائف الأعضاء
أملاه عليه الامام، وهناك أحاديث منسوبه للأمام عن جسم الانسان وشرحها شرحاً يمكن
الرجوع لها في كتاب (طب الامام الصادق (ع)) لأحمد الخليلي.
في الكيمياء : جابر
ابن حيان "أبو الكيمياء" وهو يعد من اساطين هذا العلم وتزيد مؤلفاته على
ثلاثة آلاف كتاب ورسالة في مختلف العلوم، وجلها في العلوم النظرية والطبيعية، اذهب
الى كتبه وستسمعه يقول ان كل هذه العلوم هي من إفاضات سيدي وامامي الامام الصادق (ع).
في الفلك: ابو
اسحاق ابراهيم بن حبيب الفزاري، وهو من اصحاب الإمامين الصادق وموسى بن جعفر (ع)، أول
من عمل الإصطرلاب في الإسلام. وأول من ألف فيه. وله في ذلك (كتاب العمل بالاصطرلابات
ذوات الحلق)، وكتاب (العمل بالاصرلاب المسطح) بالإضافة الى نصير الدين الطوسي وقد
كتبنا مقال بخصوصه وما قدمه في مجال الفلك وهو أنشأ أكبر مرصد للفلك في الحضارة الإسلامية.
في علم التاريخ:
أبو الحسن المسعودي صاحب مروج الذهب ومعادن الجواهر من أوائل المؤرخين في الحضارة الإسلامية.
المجال الروحي:
وهي حاجة الانسان الى
التأله وكما يعرف تاريخيا ففي كل عصر هناك عبادة للبشر ولإشباع هذه الغريزة، فمن
جانب أهل البيت (ع) فانهم وضعوا الضوابط والتنظيم لها والطرق التي تنميها ومثال على
ذلك الصحيفة السجادية زبور أل محمد.
مجال الحقوق الإنسانية:
الامام علي أول من تحدث
في مجال نظم الحقوق في عهده إلى مالك الأشتر، هذا العهد والوثيقة التاريخية
والسياسية من ضمن ما قال فيه: "وأشعر قلبك الرحمة للرعية، واللطف بهم، ولا تكونن
عليهم سبعًا ضاريًا، يغتنم أكلهم؛ فإن الناس صنفان: إما أخ لك في الدين، أو نظير لك
في الخلق".
رسالة الحقوق الواردة
عن الإمام زين العابدين، الإمام تحدث عن حقوق لم تتحدث عنها لائحة الحقوق الإنسانية
في هيئة الأمم المتحدة والى اليوم، كحق الجار، وحق الأرض، وحق الزمن، وحق السمع، وحق
البصر، وحق الرجل، وحق اليد، وحق الأموات على الأحياء الخ.
مجال المبادئ والقيادة:
القيادة موقف والائمة
كانت لهم مواقفهم المبدئية ويكفي مواقفهم مع العدالة وتطبيق العدالة ورفض الظلم وبذلوا
بذلك دمهم لأجل تلك المبادئ يقول الامام علي (ع) " والله لو أعطيت الأقاليم السبعة
بما تحت أفلاكها، على أن أعصي الله في نملة أسلبها جلب شعيرة ما فعلت، وان دنياكم عندي
لأهون من ورقة في فم جرادة تقضمها" فالموقف والبطولة وطلب العدالة والاباء وطلب
الحرية والكرامة والعزة جعلت الائمة قادة الانسانية وهذا العطاء جعلت من الامام الحسين
(ع) وواقعة كربلاء قائدا انسانيا لجميع البشرية وليس لديانة معينه.
وبهذا يتبين أن تراث
أهل البيت (ع) لا ينحصر في الجانب الديني، بل لهم عطاء علمي يثري معارف البشرية في
مختلف المجالات، كعلوم الطبيعة، والعلوم الإنسانية، هذا بالإضافة لتقديمهم القيم
الإنسانية النبيلة، وتعليماتهم الهادية، وتقديم أفضل دعم للقيم الإنسانية النبيلة (الحريات،
العدل، السلم الاجتماعي، احترام حقوق الانسان، الخ).
وكل باحث منصف يصل
الى أن أهل البيت (ع) يشكلون قيمة معنوية ومعرفية كبرى للمجتمع البشري في مختلف العصور.
ولكن لماذا لا تزال
شخصيات وتراث أهل البيت (ع) مجهولة ومحدود التداول والانتشار؟ لماذا لا نرى
أسمائهم منشورة في الجامعات المعروفة او معاهد الدراسات لتتناول حياتهم وتجربتهم؟
لماذا لا نرى عالميا حديث عن نظرياتهم ولا استشهاد بكلماتهم وسيرتهم حتى على
المستوى الإسلامي الداخلي؟
والجواب على ذلك
صحيح ان هناك أسباب متعددة منها سياسي/تاريخي جراء مواقف الائمة من السلطات
الحاكمة في عصورهم وجراء تعصبات مذهبية ولكن التقصير الأكبر هو من قبل الموالين
لأهل البيت (ع) فالجهود المبذولة اتجاه عظمة أهل البيت في نشر معارفهم وتراثهم
تعتبر محدودة مقارنة بالأمم والمجتمعات الأخرى التي قدمت معارف وتراث شخصياتها، ان
التركيز غالبا ما يكون في الشعائر والمظاهر العاطفية وبأمور وبرامج تقليدية لهذا
لم نقدم أهل البيت بلغة عصرية وهذا ما حاولت تلافيه بعض الشخصيات الإسلامية
المتأخرة مثل الشهيد مطهري والشهيد محمد باقر الصدر وغيرهم.
في كتابتي لأربعة مقالات
سابقة عن الامام علي (ع) جاء في ذهني سؤال وهو هل استطعنا كمسلمين تقديم الامام علي
كما ينبغي؟ وإذا كان الجواب نعم، لماذا إذا عندما يتحدث كاتب عن ١٠٠ شخصية لها اسهاماتها
في التاريخ لا يكون الامام علي (ع) من ضمنهم؟ أليس جزء من الأسباب والتقصير هي طريقة
وصورة تقديمنا الى الامام؟ أليس الاستغراق في تقديم الامام علي (ع) انه فارس وقتل صناديد
العرب وان حياته تتمحور في المعجزات فيها شيء من عدم التوازن في الطرح خاصة للجهة المراد
مخاطبتها؟ أليس لغة تقديمنا الى الامام في خطابنا تحتاج إعادة صياغة وهي لا تتناسب
والزمان والمكان وانه علينا كما يقول الشهيد الصدر " استخدام اللغة العصرية والأسلوب
العصري في التقديم؟ فمثلا في التسامح ينظر الى جون لوك في العالم أنه رمز التسامح ولكن
عند البحث والتقصي في مشروع الائمة الحضاري يظهر ان الامام علي (ع) أول رائد في التسامح
وبشكل أوسع وقام بها نظريا وعمليا وكذلك ينظر العالم الى مونتيسكيو أنه رمز القوانين
والفصل بين السلطات وعند البحث يتضح ان الامام علي (ع) أول وأوسع من قدم في القوانين
نظريا وعمليا!
لهذا علينا مسئولية
تقديم سيرة وتراث أهل البيت بلغات العالم المعاصر بلغة البحث العلمي التحليلي
والتاريخي بلغة الوضع الذي كانوا يعيشونه بالنسبة للظروف الاجتماعية والسياسية
والثقافية بلغة العلوم والتكنولوجيا والمعرفة العالمية وبجميع اللغات وليس الاقتصار
على اللغة العربية والفارسية، فأهل البيت (ع) بحر لا ينضب فمهما اكتشفت وكتب عنهم
ستظل هناك جوانب مجهولة تحتاج من يكتشفها ويميط اللثام عنها.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق