أبو محمد – 20 ديسمبر 2018
الغرب يعتبر ان اول من اسس نظريا وبشكل أكثر تفصيلا للفصل بين السلطات هو الفيلسوف الفرنسي "مونتسكيو" (1689-1755) في القرن الـ 17 ميلادي وهذا الغرب يقدمه اليوم للعالم انه هو "أب مبدا الفصل بين السلطات" او صاحب الدستور المتوازن وانه أحد المنظر ين فكريا لشكل النظام السياسي والمساهمين مع جان جاك روسو وفولتير وغيرهم من فلاسفة عصر التنوير في قيام الثورة الفرنسية عام 1789.
أعتبر كتابة " روح القوانين" أحد اهم الكتب السياسية ولا يضاهيه في نفس المجال الا كتاب السياسة لأرسطو والعقد الاجتماعي لروسو، في هذا الكتاب السياسي، دافع مونتسكيو عن الدستور ومبدأ فصل السلطات (التنفيذية، التشريعية، القضائية) وإلغاء الرق، والمحافظة على الحريات المدنية والقانون، وفكرة أن المؤسسات السياسية يجب أن تعكس المظاهر الاجتماعية والجغرافية للمجتمع.
ولكنه في المقابل كان معجب اشد الاعجاب بالملكية او الجمهورية "الأرستقراطية" وان تكون الأولوية لطبقة "النخبة “وهي السلطة التي تكون فيها اليد لجماعة من أفراد الشعب هم الأشراف أو النبلاء وهي نفس طبقة مونتسكيو ويختارهم الملك، وانه لا يجب ان يتساوى صوت النبلاء مع العامة من الناس لأنه حسب اعتقاده سوف لم يدعم "الارستقراطيين" النظام لذا يجب تخصيص مجلس خاص بهم وان يكونوا طبقة وسطى بين عامة الناس وبين الملك، وكذلك هو يخشى الجمهورية الديمقراطية لأنه يرى ان حكم الشعب هو استبداد الرعاع! وانه يرى ان النظام الملكي الأرستقراطي متوازن وتحدُ كل قوة في الدولة من القوة الأخرى، وكذلك يرى ان حق الدفاع الطبيعي بين المجتمعات يقتضي ضرورة الهجوم استباقيا أحيانًا على الدولة الشريرة إذا تبين انها ستهدم السلام!
في المقابل قبل (1100 عام) 11 قرن من "مونتسكيو" يوجد رجل طبق نظريا/تشريعيا وعمليا وهو الامام علي (ع) مبادئ الفصل بين السلطات، وانا هنا لست في وارد المقارنة فلا يوجد مقارنة بين الشخصية الثانية بعد رسول الله وبين أحد من البشر ولكن انا هنا لذكر بعض ابعاد هذه الشخصية المظلومة وما قدمته للبشرية جمعاء، حيث قدمت هذه الشخصية الكثير في شأن إدارة الدولة نذكر منها بعض النماذج:
1- كيفية اختيار رأس السلطة: حرص الامام علي (ع) ان لا يتولى الخلافة الا عن طريق البيعة من جميع الناس وجميع طبقاتها وليس عن طريق القوة أو توصية من أحد او جعل امر الاختيار بين عدد محدود من الناس ليقرروا فكان اول اختيار شعبي وجماهيري للخليفة وعليه قال "واعلموا إن اجبتكم ركبت بكم ما أعلم، وإن تركتموني فإنما انا كأحدكم، إلا أني أسمعكم وأطوعكم لمن وليتموه أمركم" وبذلك يعتبر اختيار الناس مبدا أساسيا لتداول السلطة وهو ما ميز النظام الإسلامي عن بقية الأنظمة في تلك الفترة مثل القيصرية او الكسروية.
2- الفصل في السلطات: "قضية الدرع" بين الإمام علي(ع) والنصراني أو اليهودي حيث تمثل هذه القضية قمة العدالة والمساواة والديمقراطية والفصل بين السلطات، تواضع رئيس الدولة وحاكم لما يقارب 50 دولة ويساوي نفسه بخصمه الذي على غير ملته ويطلب عدم مناداته إلا باسمه دون ألقاب ليكون متساوي مع خصمه ويصدر الحكم ضده، فهنا فصل للسلطة التنفيذية عن السلطة القضائية بحيث لا يتأثر حكم القاضي ولتامين الحصانة الكاملة للقاضي في اصدار احكامه، وقد كانت قبل عهد الامام علي (ع) السلطات الثلاث موحدة غير منفصلة وهناك قضايا كثيرة بعدم التفريق حتى بين رئيس الدولة وعائلته وبين افراد العامة ليبين انه لا فرق بين أحد أمام القضاء وأن تكون جلسات القضاء علنية امام الناس.
3- شكل الدولة: كان شكل الدولة في عهد الامام علي (ع) ما يشبه الكنفدرالية، للأقاليم ولاه لهم صلاحيات وتكون هذه الأقاليم تابعة الى السلطة المركزية في الكوفة بحيث يكون الامام علي (ع) اشبه ما يكون بالقائد العام للقوات المسلحة وله صلاحية عزل وتنصيب الولاة.
4- سياسة الحكومة الاستشارية والمشاركة في بناء الدولة: الامام رسخ مبدا احترام أراء الناس عبر الاستشارة إذ قال الامام علي (ع): "ان من حقكم علي أن تعطوني المشورة"، ويقول بخصوص حق المشاركة في بناء الدولة في عهده لمالك الاشتر "وأكثر مُدارسة العلماء، ومناقشة الحُكماء في تثبيت ما صَلَحَ عليه أمرُ بلادِكَ وإقامة ما استقام به الناسُ قبلَك، واعلم أنّ الرعيّة طبقات لا يَصْلحُ بعضُها إلاّ ببعض، ولا غِنى ببعضِها عن بعض؛ فمنها جُنود الله، ومنها كُتابُ العامّة والخاصّة، ومنها قُضاة العَدْلِ، ومنها عُمّالُ الإنصافِ، والرِّفقِ، ومنها أهْلُ الجزية والخراد من أهْل الذِّمَّة ومُسْلِمة الناس؛ ومنها التجارُ وأهل الصناعاتِ، ومنها الطبقة السُّفلى من ذوي الحاجة والمسكنة، وكُلٌّ قد سمَّى الله له سَهْمَهُ، ووضع على حدِّه] فريضةً في كتابهِ أو سُنَّةِ نبيّه(ص) عهداً فيه عِندنا محفوظاً" فالمجتمع بكل طبقاته يساهم في بناء الدولة.
5- استبدال الولاة السابقين الفاسدين وتعيين المؤتمنين بدل عنهم، كما وضع شروطا لاختيار للولاة، وكذلك قام باسترجاع الأراضي والأموال المنهوبة من قبل بعض الولاة السابقين الى بيت مال المسلمين او ما غصبه الظالمون الى المستضعفين.
6- عمل جهاز رقابي على الولاة المنصبين من قبله: حيث قام امير المؤمنين بتوزيع العيون جهاز سري شرطة الخميس خلص أصحابه على الولاة وموظفين الدولة ليرفعوا له تقارير عن اعمال وتعامل ولاته وموظفي الدولة وقد عزل ونبه بعضهم على الأخطاء التي يعملونها ويخبرهم انهم تحت عينه فيما يفعلونه.
7- أنشاء ديوان المظالم: لم يكتفي الامام بنشر العيون بل أنشئ ديوان للمظالم للنظر في أي شكوى يرفعها المواطنون ضد ولاتهم وحكامهم سواء بظلم حصل لهم او تقصير اتجاههم او انحراف عن طريق الحق.
8- المساواة في الحقوق والواجبات والعطاء والقانون: قام بتوزيع المال على الجميع بالتساوي وعدم تفضيل شخص على اخر بحسب النسب او الشرف او عطاءه للإسلام او جنسه، ونشر ثقافة الطاعة والقبول طواعية ودون اكراه او ابتزاز او اغراء مالي، وحق المعارضة، والاعتراض والشكوى للجميع.
9- مباشرة رأس الدولة بنفسه الاطلاع على أحوال الناس: كان الامام علي (ع) حريص كل الحرص على المباشرة بنفسه مهام الرقابة وينزل الى السوق ويقدم النصائح والارشادات رغم طلب أصحابه انهم يكفونه العمل فرفض وقال "وظيفة الامام حفظ النظام ورعاية حقوق العامة".
10- انشاء التامين الاجتماعي للفقراء: عمل على انشاء التامين الاجتماعي للفقراء والعاطلين والعاجزين عن العمل بحيث يصرف لهم من بيت المال راتباً شهرياً حتى تهيئتهم للحصول على عمل جراء هذا الراتب.
11- تمليك المواطن ارض احياها بنفسه: عمل على انشاء برنامج اقتصادي يتيح للفرد تملك الأرض عبر إحيائها وزراعتها وذلك للتشجيع على التنمية الاقتصادية والزراعية بالإضافة لنظام المساواة والعدالة بين جميع المواطنين للوصول لمجتمع متكامل حيث قال " من أحيا أرضاً من المؤمنين فهي له وعليه سقيها يؤديه إلى الإمام"، وقد أوصى ولاته على ذلك كما في عهده لمالك الاشتر: وليكُن نظرك في عِمارة الأرض أبلغ من نظرك في استجلاب الخراج، لأن ذلك لا يُدرك إلا بالعمارة، ومن طلب الخراج بغير عمارة أخرب البلاد وأهلك العباد، ولم يستقم أمره إلا قليلاً".
12- سياسة عدم بدا شن الحروب: في طوال تاريخ الامام علي (ع) لم يسجل التاريخ انه قام بالبدء في قتال بل وحتى عند تلاقي الخصمان لا يوفر جهدا ونصيحة ودعوة للحق الا واستخدمها ولا يبدا في القتال مهما كانت الظروف الا ان يبدا الخصم بالقتال ودفاعا عن النفس حيث قال "لا تقاتلوا القوم حتى يبدؤوكم فإنكم بحمد الله على حجته، وترككم إياهم حتى يبدؤوكم حجة أخرى لكم عليهم".
وغيرها الكثير من القرارات والتوجيهات والنصائح التي جاءت بعد تركه ثقيلة لسنوات وفي فترة قليلة 5 سنوات وحرجة وصعبة من فتن داخلية وحروب القاسطين والناكفين ولو كانت الأرضية غيرت التي كانت لكان الوضع مختلفا تماما واكثر مما ذكرناه وبذلك يكون المؤسس الأول لدولة القانون والمساواة والعدل والتي لم يشهد التاريخ لمثلها وقد سبق العصور الحديثة بذلك هو الامام علي (ع).
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق