محاولة لقراءة وفهم الابعاد التاريخية لفتوى الامام الشرعية/السياسية
بقلم
أبومحمد – مقال – 14 فبراير 2020
تحل الذكرى الـ31
لفتوى الامام الخميني التاريخية الدينية و"السياسية" بقتل المرتد سلمان
رشدي صاحب كتاب "آيات شيطانية"، حيث اصدر الامام الخميني في 14/2/1989
فتوى اهدار دمه لتعديه الصارخ على مقام النبي (ص) والقرآن الكريم.
في السنة الماضية حدثت
نقاشات حول هذه القضية ولكن كان ينقصني بعض الاطلاع للوضع التاريخي الذي صدرت فيه
هذه الفتوى خاصة وأننا في قراءتنا لهذه القضية والقضايا التاريخية الأخرى دائما ما
نسقطها على وضعنا الحالي وهذا خطا نقع فيه دوما في القضايا التاريخية، لذا حاولت
الرجوع لعدد من الكتب حول القضية وبعض المقالات التي كتبت والخطابات التي ألقيت في
تلك الفترة لمحاولة الوصول الى الابعاد التاريخية لفتوى الامام الشرعية/السياسية.
دائما حين تناولنا
هذه القضية تقفز لدينا حولها عده تساؤلات منها على سبيل المثال: لماذا صدرت هذه الفتوى بحق سلمان رشدي؟ كيف يصدر الامام حكم
لشخص خارج سلطته وخارج بلده؟ ولماذا لم يكن الرد على سلمان رشدي ردا علمياً بدل
الحكم المباشر؟ ماذا كان موقف المراجع في تلك الفترة؟ وهل مسالة الفتوى كانت ضمن
حدود التنافس السني/الشيعي للتسيد على الساحة الإسلامية؟ الم يعطي الحكم كتاب آيات
شيطانية ومؤلفة حجما لم يكن يحصل عليه قبل الحكم؟ ولماذا حمت بريطانيا وخلفها
الدول الأوربية سلمان رشدي وذكرته بانه عنوان ورمز عالمي للحرية وانفقت الملايين في
حراسته ودعمه؟ وهل حقا كانت الدول الغربية تسعى لتحقيق مبدا الحرية الفكرية في
قضية وقوفها غير المسبوق لدرجة سحب سفراء وقطع العلاقات مع إيران؟ وهل حقا الدول
الغربية وعلى راسهم البريطانيين والصهاينة كانوا على راس داعمي تأليف كتاب آيات
شيطانية؟
قبل الإجابة على
هذه الأسئلة نُذكر ببعض المحطات التاريخية والصراع المحتدم بين إيران والغرب قبل
الفتوى:
1- بعد اسقاط الشاه
الذي هو حليف الغرب وبعد الترتيب لزيارة الشاه الى أمريكا بداعي العلاج قام الطلبة
الإيرانيون باحتلال السفارة في نوفمبر 1979 وعليه أصبحت سمعة وهيبة وصورة الولايات
المتحدة الامريكية في اسوء وأضعف حالة وذلك راجع لحالة الارتباك في كيفية التعامل
مع هذا الوضع الاستثنائي، خاصة وان صورتها قبل هذه الحادثة كانت أنها اقوى دولة
عالمية خرجت بعد الحرب العالمية الثانية، ولهذا التحرك من قبل الطلبة الإيرانيون أسبابه
التاريخية خاصة وان الشعب الإيراني لا زالت تسيطر عليه ذكريات عام 1953 وعملية
"آجاكس" التي قامت بها بصورة مشتركة الامريكان والبريطانيون وشاه إيران
ضد حكومة مصدق.
2- يذكر الكاتب
محمد حسنين هيكل في كتابه "مدافع آيات الله" حجم عن التوغل الأمريكي في إيران
أيام الشاه، حيث يذكر ان هناك أكثر من 60 ألف خبير ورجل اعمال امريكي في إيران وان
حجم التبادل التجاري مع أمريكا وصل الى 400 مليون دولار سنويا وهذا كله ذهب بعد
قيام الثورة.
3- بعد الفشل الأمريكي/البريطاني
في العودة للسيطرة على مقدرات ايران او إحداث انقلاب داخلي ذهبوا لخطوة أخرى عبر إشعال
حرب على ايران وافتعال مسألة العرب/العجم والشيعة/السنة وموضوع تصدير الثورة، فأوعزوا
الى عاملهم الطاغية صدام حسين ببدء الحرب والاستفادة من الوضع الداخلي الإيراني
الطري بعد الثورة وان الحكومة الايرانية لازالت فتيه وفي اضعف حالاتها وهو ما كشفت
عنه الوثائق الغربية التي ظهرت وأثبتت بالدليل القاطع ضلوع امريكي/بريطاني للدفع
باتجاه الحرب وهو أيضا ما كشفت عنه صحيفة
نيورك تايمز عام 1980 وذلك بعد شهر واحد من الحرب بان هذين البلدين كان لهم الدور
الكبير في التخطيط للحرب ويمكن الرجوع لكل الوثائق التي تثبت التورط
الأمريكي/البريطاني لتبيان حجم التخطيط للحرب.
4- قبل شهر من فتوى
الامام الخميني بحق سلمان رشدي وبالتحديد في 7 يناير 1989 كانت هناك رسالة من
الخميني الى رئيس الاتحاد السوفيني ميخائيل غورباتشوف وجاءت في ظروف الثناية القطبية
بين الشرق والغرب الروسية/الامريكية والتي حذر فيها الخميني من نهاية الاتحاد
السوفيتي وضرورة التخلي عن الغرب ودعاه للتخلي عن العقيدة الشيوعية وانتهاج سياسة
جديدة وتشكيل نظام جديد لمستقبل الاتحاد السوفيتي ومحاولة التحقق بدقه وجدية حول
الإسلام والالتحاق به والتذكير بان الماركسية لا تلبي شيئا من احتياجات الانسان
الحقيقية لأنها مذهب مادي، وقد ذكر غورباتشوف لصحفي بعد 12 عام من الرسالة "اني
أتأسف لعدم تفهمي لتلك الرسالة آنذاك كي لا يقع الاتحاد السوفيتي في هذا الوضع".
هذه بعض النقاط السريعة
وهناك الكثير غيرها تبين حجم الصراع المحتدم وعلى كل الساحات بين الغرب ضد أي اتجاه
ذو صبغة إسلامية وخاصة إيران وكله كان قبل موضوع كتاب "آيات شيطانية" ونذكر
هذه النقاط لنبين ان انطلاق الصراع السياسي الى الجانب الثقافي ليس اعتباط او صدفه
وهذا ما سيتبين تباعا في النقاط التالية:
أولا: هل
كان هناك إعداد مسبق لتأليف كتاب آيات شيطانية كمرحلة من مراحل الصراع الإسلامي
الغربي خاصة بعد قرار (598) الخاص بوقف الحرب الإيرانية/العراقية؟
نعم فبعد توقف الحرب العراقية الإيرانية ضمن
القرار رقم (598)، بدأ القادة السياسيون الغربيون نوعاً جديداً من الصراع خاصة وان
الحرب العراقية/الإيرانية لم تحقق أهدافهم في القضاء كليا على ايران بل ادركوا بان
الحركات الإسلامية الثورية تتنامى بشكل مطرد مثل قيام حزب الله في لبنان، الحركات
الجهادية في فلسطين وأفغانستان الخ، والتصاق الشعب الإيراني اكثر بنظامه، لذا
لجأوا لتوسيع الصراع ليشمل الجانب "الثقافي والايدلوجي والمعنوي" للمسلمين ولو لم يكن هناك ردة فعل قوية اتجاه
المساس بالمقدسات وبشخصية النبي (ص) لتم
القضاء على اول خندق من خنادق الدفاع الاسلامي وبذلك تضييع الهوية الذاتية للعالم الإسلامي.
ويمكن طرح بعض النقاط وبعض المعلومات التي
ذكرت في كتاب "الافك المعاصر" تبين التخطيط المسبق لتأليف الكتاب:
1- رغم العلم بما سيسببه نشر الكتاب من
مخاطر محتمله كان هناك إصرار على طبعه ونشره وهذا يدل على ان هناك هدف أكبر من
الهدف التجاري للكتاب وأيضا حركة كتابة وطباعة الكتاب وترجمه الكتاب المدعومة
رسميا وتوفير الامكانيات الاستثنائية لم تحصل لكتاب سابقا والتبني الغير عادي والرسمي
لطبعه ونشره وترجمته في فترات بسيطة لا تتعدى 4 أشهر كانت كلها لهدف هو (الإساءة
للمقدسات وللإسلام والرسول والقران) وليست عفوية.
2- حسب المصادر التي كتبت في كتاب "الافك
المعاصر" ذكرت ان مؤسسة النشر الرئيسية للكتاب فايكنغ – بنغوين دفعت مبلغ
وقدره 850 ألف جنيه إسترليني لسلمان رشدي "كمبلغ مقدم" ليكتب الرواية، وهو
مبلغ كبير كمقدم لكتابة رواية وقبل ان يشرع في التأليف أساسا!.
3- حسب ما ذكر من مصدر موجود في كتاب "
الافك المعاصر" ذكرت الصحف البريطانية في 9 رجب 1409 انه كان المخطط انتاج
سلسلة من الأفلام السينمائية والبرامج التلفزيونية محورها رواية الآيات الشيطانية
كما حدث في فيلم (الاغواء الأخير للمسيح) الذي يتعرض باتهامات مباشرة (عقد جنسية)
للسيد المسيح، الا ان المشروع أجهض بعد رده الفعل الإسلامية الغاضبة اتجاه الكتاب
وهو ما يؤكد النية الخبيثة والمبيته لهذا العمل.
4- مؤسسة فايكنغ – بنغوين عزمت الاعداد ونشر
الرواية في تاريخ 26/9/1988 وهو بعد أكثر من شهرين على اعلان إيران الموافقة على
قرار 598 بتاريخ 18/7/1988 لوقف إطلاق النار مع العراق وقد بنى الغرب فكرته ان إيران
في وضع لا تستطيع وليست على استعداد لمواجهته بهذه الحديه خاصة وخسائر ايران في الحرب
كانت كبيرة جدا على كل الأصعدة وأن (ايران الثورية قد تم تقليم اظافرها واخضاعها
للمعادلات السياسية الدولية وانها لم تعد على استعداد لمواجهة النظام الدولي دفاعا
عن الإسلام)، في حال بدئه خطوات المؤامرة الشاملة لاستئصال الدين والقيم الإلهية
والإسلام وهذا ما تبين من خلال التهديد بقطع العلاقات الاقتصادية بعد فتوى الخميني
ومسالة سحب السفراء.
وهناك غيرها من المؤشرات التي تبين ان هناك
نية واضحة تبينت أكثر بعد الفتوى وبعد تبني الجانب الرسمي للغرب الدفاع المستميت
والرسمي عن سلمان رشدي بل وطباعة كتابه!، وهذا ما بينه وذكره الامام الخميني في
بيانه بان القضية ابعد من رواية بل هي "مؤامرة معده سلفا وهدفها استراتيجي
واسع النطاق وهو استئصال الدين والتدين بشكل عام والإساءة للمقدسات ما هو الا (هدف
مرحلي) لتحقيق الهدف الاستراتيجي الاوسع".
ثانيا:
لماذا صدرت هذه الفتوى بحق سلمان رشدي؟
هي فتوى استثنائية وفريدة بكل المقاييس وجاءت في ظرف
استثنائي في قمة الصراع بين العالم الغربي والاسلامي فحكم الامام الخميني يعتبر
واحد من اهم وأبرز المواقف الإسلامية الحازمة في عصرنا الحاضر وامتاز بأجماع
إسلامي شعبي لما تمثله قدسية ورمزية القران والنبي لجميع المسلمين وجعل الساحة
الغربية في حالة ارباك لم تحدث له من قبل.
فتوى الخميني لم تنطلق من ارادة تطبيق حكم شرعي متعلق
بالردة فقط لأنه مثلا يوجد في ايران الكثير من المرتدين وكذلك في العالم العربي
والإسلامي بل انطلقت في بعدين (شرعي/سياسي) يتصل بموقع الإسلام والرموز الاسلامية
المقدسة في العالم ككل وضد التحدي والحملة الغربية ضد الإسلام ولتهز الضمير
الإسلامي دينيا وفكريا من جديد بعد الاسترخاء الذي أصاب المسلمين من خلال انظمتهم
وقد استطاع الخميني من خلال حكمه تعريه الكثير من الأنظمة الإسلامية وعلمائها امام
الشعوب بعد وقفتهم الخجولة جدا في قضية سلمان رشدي جراء خضوعهم للغرب، لذا يجب وضع
حكم الامام الخميني في دائرة الصراع بين الاستكبار العالمي وليس في دائرة حرية
الفكر والتعبير .
وأيضا من الناحية الشرعية حيث اجتمعت في سلمان رشدي
وكتابه كل شروط الارتداد ومنها أنه أعلن عن ارتداده "علنا" عن الإسلام
وأهان أقدس أمرين وهما النبي والقرآن بأشد الإهانة والسباب والأسلوب البذيء
والتشوية وهذا الأسلوب استخدمه حتى مع زوجات الرسول ولما احدثه ارتداده وكتابه من
فتنة ولكونه واجهة (للكافر الحربي) المعلن والمعادي للإسلام ولما يمثله من خلفية
استعمارية لأثارة الجو ضد المسلمين جاءت فتوى الامام الخميني بإعدامه، لما رأى ان هدف نشر الكتاب هو استئصال حاله القدسية التي ينظر لها المسلمون للنبي
وعليه قدسية مراجع الدين وهم الذين دائما ما يكونون في الطليعة للتصدي للأطماع
الغربية والثورات الجماهيرية.
ثالثا: ما
هي النتائج التي كانت (قبل فتوى) الامام الخميني وما (بعد فتوى) الامام الخميني؟
قبل
الفتوى:
1- بين نشر الرواية
في 2/2/1988 وإصدار الامام الخميني الحكم هناك ما يقارب 5 شهور وهي فترة شهدت
مظاهرات واسعة في كل العالم خاصة في بريطانيا ولكن الحكومة البريطانية لم تعبئ
بشيء ولم تثمر كل الاحتجاجات في باقي دول العالم بشيء اتجاه كتاب "الآيات
الشيطانية".
2- الدول الإسلامية
لم يتعدى رده الفعل عندهم سوى منع دخول نسخ من الرواية! ورغم ذلك المنع في غضون (4
شهور) انتشر الكتاب في حركة محمومة في أوروبا وأستراليا واليابان وامريكا وكندا
والعديد من دول العالم الثالث وكان سينتشر أكثر لو لم يتم التعامل معه بفتوى
الخميني.
3- في يناير/كانون
الثاني 1989، أحرق مسلمون في مدينة برادفورد البريطانية علنا نسخا منه. بعد شهر،
هاجم آلاف الباكستانيين مركز معلومات أمريكيا في إسلام أباد. وردت الشرطة بإطلاق
النار ما أسفر عن مقتل "خمسة أشخاص"، هذه بعض الامور التي حدثت قبل
الفتوى.
بعد
الفتوى:
1- خلال شهر واحد
من فتوى الخميني استطاع نقل القضية من احتجاجات في الجالية المسلمة في بريطانيا
واحتجاجات في الهند وباكستان الى احتجاج دولي فكسر الطوق عليها وجعلها امام الشعوب
الإسلامية كافة، فلولا الموقف الحازم اتجاه حركة الإساءة ولولا الموقف الإسلامي
العام المستجيب والمؤيد لموقف الخميني لما كان بالإمكان تحقيق تلك المكاسب
الإسلامية واحباط حركة الإساءة واحداث تلك الحالة الشديدة من الارباك في موقف
القوى المعادية.
2- استطاع الخميني
تحويل ردود الفعل الإسلامية الى كافة المعمورة الإسلامية وتحولت الى قضية إسلامية
عامة بعد ان كانت محصورة في بريطانيا والهند وباكستان واوجد موقف الخميني وعيا
إسلاميا عاما وانتقلت الى كل العالم.
3- تحول الموقف الرسمي بعد فتوى
الخميني من موقف منع دخول الكتاب لعدد 4 دول ليمتد المنع لجميع الدول الإسلامية
وغير الإسلامية التي تضم أقليات إسلامية واضطرت منظمة المؤتمر الإسلامي لوضع موضوع
الكتاب على جدول الاعمال اللجنة السياسية للمؤتمر وعليه أصدرت بيانا رسميا ايدت
فيه ارتداد سلمان رشدي ودعت المؤتمر الى مقاطعة مؤسسة بنغوين المتصدية لنشر الكتاب
وكل هذا جاء مع ان هناك ضغوط غربية لكيلا يصدر موقف شديد من المنظمة وهذا كله لم
يحدث لولا فتوى الخميني.
4- حالة الارباك دفعت الجهات الغربية لموقف سياسي بلباس ديني عبر عنه موقف
رئيس لجنة الفتوى بالأزهر حيث قال (ان قرار الخميني مخالف للقواعد والأصول
الإسلامية ويجب استدعاء الكاتب ومحاكمته) ونسي المفتي ان موقف الإسلام السني اكثر
تشددا في مسالة الارتداد من الإسلامي الشيعي وان هناك اجماع إسلامي حول ارتداد من
يتعرض للنبي (ص) بالإساءة ولا تقبل توبته وهذا ما اكد عليه الخميني في بياناته
اللاحقة للفتوى لمواجهة حالة تطويق الموقف
الإسلامي الغاضب الموحد واثارة البلبلة الداخلية فيه وهو يناقض ما فعلوه اتجاه نجيب
محفوظ بعدم إعطاء فرصة للدفاع عن نفسه حول روايته أولاد حارتنا 1959 التي يتعرض
بإساءة تقل كثيرا كثيرا فحكموا بارتداده!.
5- حالة الارباك في التصريحات فقد صرح
وزير خارجية بريطانيا جيفري هاو بقوله (الخميني قد فاجأنا بتهديداته) وصرح وزير
خارجية فرنسا رولان دوما (ان فرنسا صدمت لتهديدات ايه الله الخميني) فهم لم يكونوا
يتوقعوا ردا بهذه الصورة والقوة والحزم والوضوح والصرامة التي جاءت لكيلا يتجرأ
أحد مستقبلا على التعرض لمقدسات المسلمين.
6- تاتشر رئيسة وزراء بريطانيا في
3/3/1989 تراجعت عن تصريحاتها السابقة بعد إصرار الخميني على فتواه للقول أنها
"تتفهم مشاعر المسلمين وانها تتعاطف معهم"، وزير الخارجية البريطاني جيفري
هاو 2/3/1989 بالقول " اننا نتفهم سبب امتعاض المشاعر الإسلامية من الكتاب
ونحن أيضا نعتبر الكتاب مسيئا فهو يشبه بريطانية بألمانية الهتلرية)، وحتى رشدي
نفسه تراجع عن صلافته التي قالها في مقابلة في التلفزيون البريطانية في 25/يناير/1988
انه " بصراحة أتمنى لو كتبت كتابا أكثر انتقادا وإساءة للإسلام" وبعد
فتوى الخميني بتاريخ 18/2/ 1989 قال أعرب" عن اسفي لما سببه كتابي من كرب
للمسلمين المخلصين" وغيرها الكثير من التصريحات المتراجعة من الغربيين بعد
مشاهدتهم لإصرار الخميني ووحدة الموقف الإسلامي مع الفتوى.
7- ذكرت (تاتشر)
المسلمين الانجليز بخير، وتظاهرت بالتعاطف معهم، وبعث السياسيون الغربيون وبكل
خنوع سفرائهم على طهران واحداً بعد آخر وهم يقدمون الاعتذار، واضطر زعماء الدول
الإسلامية إلى إدانة رشدي، وأصبح حكم ارتداده ثابتاً لدى الرأي العام.
8- الكاتب سلمان رشدي حاول التراجع عما
ابداه من تشدد عام 1990 في مقال تحت عنوان "بنية حسنة" لكنه لم ينجح في
استرضاء المسلمين.
9- بدأ سلمان رشدي الخروج تدريجيا من حياة
التخفي في 1991 باسم مستعار وحراسة مشددة لكن مترجمة الياباني قتل في يوليو/تموز
من العام ذاته. بعد أيام تعرض مترجمة الإيطالي للطعن قبل أن يتعرض ناشره النروجي
لإطلاق نار بعد عامين.
10- بينت الفتوى فاعلية ودور الجماهير
في الموقف الإسلامي في حركة الصراع فان الموقف الموحد يعطي زخما ودورا فعال في
احباط المؤامرات المضادة للإسلام.
رابعا: كيف
يصدر الامام حكم لشخص خارج سلطته وخارج بلده؟
أولا: لم يكن سلمان رشدي شخصية كبقية
المرتدين بل كان يمثل رمزا لخطة غربية تتحرك من اجل مواجهة الإسلام في الصميم وفي
أقدس امر عنده وهو ما يمثل ما يعبر عنه (بالكافر الحربي) الذي ارتد وانتقل الى
معسكر الاعداء وتبين ايضا من خلال مجريات القضية مدى الدعم الرسمي الغربي لرشدي
باسم حرية الفكر الذي يناقض نفسه فيه والدعم والترويج لكتابة البعيد جدا عن
المعاجلة والمناقشة الفكرية هذه الحرية الغربية المزعومة تسمح بسب وشتم واهانة "اقدس
رموز" لأكثر من مليار مسلم ولوضع حد
لهذه المؤامرة بشكل جاد وفاعل جاءت الفتوى التي تحدت فيه كل القوانين الأوربية
وغيرها والتي تقول ان رموز الإسلام وحكم الإسلام لا حدود تقف امامها ليكون رشدي
عبرة لكل الذين يتحركون بهذه الطريقة.
ثانيا: ان تطبيق هذا الحكم يضيق من مجال ممارسة
القوى المعادية لشرورهم وتنفيذ مؤامراتهم ضد العالم الإسلامي على هذا الصعيد ليس
لأنه يقضي بالقتل المادي لشخص المرتد سلمان رشدي بل الأهم من ذلك يقضي بالقتل
المعنوي لنوعية الكتاب المرتزقة من أمثال رشدي باعتبارهم أدوات لتنفيذ خطط القوى
المعادي، لذلك فمن يفكر او يدفع ويطلب منه القيام بما قام به رشدي سيفكر ألف مره
باحتمال ما أصاب رشدي.
خامسا: لماذا
لم يكن الرد على سلمان رشدي ردا علمياً فكريا بدل الحكم المباشر؟
هناك فرق بين مناقشة الفكر/دراسة علمية/اجتهاد ديني وبين
الشتم والاهانة والسخرية وموضوع كتاب آيات شيطانية هو عبارة عن مسالة انسان يشتم
ويسخر عبر رواية تخيلية وبذلك تفقد أدني درجات المحاججه العلمية، فعلى مدى التاريخ
لم يكن هناك مشكلة مع من يناقش بصورة فكرية وعلمية أي جهة حتى النبي (ص) ولو ان
سلمان رشدي ناقش الفكر الإسلامي او حتى نبي الإسلام لامكن مناقشته وحتى القران بين
اننا لا نخاف من النقد عندما بين اتهامات المشركين للنبي (ص) بانه ساحر وكذاب
وشاعر فلا مشكلة من فكر يناقش فكراً، اما
فكر يناقش شتيمة او سخرية فذلك امر لا يدخل ضمن حسابات الحوار الفكري العملي.
فهل من حرية
الرأي والاعتقاد تزييف الحقائق وإشاعة الأكاذيب والأراجيف، ونشر الأباطيل والجهر
بالكلمات البذيئة الهابطة؟ في قاموس هؤلاء هذه حرية رأي واعتقاد!
لا يوجد دين ينفتح على حرية الرأي والاعتقاد
كما هو الإسلام، إلا أنه يرفض كل العبث بالحقائق، والتلاعب بالمعايير، والإساءة
إلى المقدسات.
لا يفرض الإسلام رأيه على الآخرين ويسمح لهم
أن يحاوروا وأن يناقشوا وأن يرفضوا، إلا أن هذا شيء والسب والقذف والشتم، والكذب، والافتراء،
والتزييف شيء آخر.
المسألة ليست دفاعا عن حرية الرأي
والاعتقاد، وهو يعلمون جيدا أنّ ما جاء به هذا المرتد من افتراءات زائفة لا يعبر
عن آراء جديرة بالاحترام والتقدير وإنما هي المباركة والتأييد والاحتضان لكل
الحاقدين على الإسلام، ولكل المتمردين على مبادئه وقيمه، ولكل المعادين للمسلمين،
مؤسف جدا أن تصدر هذه المواقف من دول تدعيي أنها رائدة الحوار الإنساني، وداعية التقارب
بين الأديان!
سادسا:
ماذا كان موقف المراجع من فتوى الخميني في تلك الفترة؟
غالبية مراجع الطائفة المعروفين ايدوا فتوى الامام
الخميني وبدا ذلك ظاهرا في بياناتهم المؤيدة وهذا الامر لم ينحصر في فقهاء الشيعة
بل عموم العالم الإسلامي وحتى بدا تأثير هذا الامر في تأييد منظمة المؤتمر
الإسلامي للفتوى وحكم الامام الخميني في بيانهم.
وحتى في البيانات المستنكرة للرسوم الكاريكاتيرية في
2005 والفلم المسيء للنبي في 2012 وموضوع حرق القران في أمريكا في 2010، استذكرت
بعض بيانات المراجع فتوى الخميني والتأكيد انه لو طبقت لما وصلت الجرأة بهم لهذا
الحال.
اما بالنسبة لحوزة النجف في تلك الفترة، فبعد حادثة
اعدام الشهيد الصدر والتضييق الشديد على مراجع الحوزة لم يكن هناك أي تفاعل خارجي
للحوزة خاصة ما يرتبط بإيران لان اظهار التفاعل قد يكلف الحوزة بكاملها وهذا ما
خبروه من اعدام الشهيد الصدر الأول واغتيال الشهيد الصدر الثاني وتبقى المدرسة
الشيرازية بموقف مخالف للفتوى وذلك راجع للتباينات بينهم والسيد الامام.
واليكم بعض ردود بعض المراجع:
1- آية الله الخامنئي: إنّ حكم الإمام بحق
سلمان رشدي مبتنٍ على آيات إلهية، وهو محكم كتلك الآيات وغير قابل للخدش. إن سلمان
رشدي مجرم ويجب تنفيذ الحكم الإلهي فيه.
2- آية الله الكلبايكاني: أحد الأمثلة
البارزة لمؤامرات المستعمرين ضد الإسلام والقرآن، هو تأليف ونشر كتاب الآيات الشيطانية.
3- آية الله صانعي: ليس بإمكان أحد الدفاع
عن أمثال سلمان رشدي؛ لان الدفاع عن أمثاله يُعتبر بحد ذاته ارتداداً عملياً
وانتهاكاً لكل المقدسات، وهو مدعاة لإهدار الدم.
4- آية الله الموسوي الأردبيلي: لم يكن فعل
سلمان رشدي سبّاً وارتداداً عادياً، بل مؤامرة وخطّة، وتعكس في الواقع حلقة من
سلسلة متواصلة أوجدها الاستكبار العالمي. وسلمان رشدي هذا مصداق للكافر الحربي
أيضاً، بمعنى القيام ضد الإسلام.
5- آية الله اليزدي: يُجمع العامة والخاصة
على أنّ سب الرسول (ص) والاساءة إليه، حكمه القتل، ويجب أن يُقتل السابّ. ولهذا
فليس ثمّة اختلاف نظري في هذا الأمر الذي يعد قاعدة للحكم.
6- آية الله جنّتي: كتاب الآيات الشيطانية ليس رواية عادية كتبها
مؤلف عادي، بل يجب النظر إليه كمؤامرة عالمية واسعة ضد الإسلام.
7- آية الله اللنكراني: فإني أفتخر وأعتزُّ ببيانين؛ أحدهما ما كنت أصدره بمناسبة
استشهاد السيدة الزهراء (سلام الله عليها) لسنوات عديدة، أما الآخر فهو الذي
أصدرته بمناسبة عدم جواز نقض حكم الإمام الخميني (قدس سره) حول ارتداد سلمان رشدي ووجوب
قتله، في حين كان بعض المُتَعَصْرِنين يتخيلون أن المصلحة تقتضي المسايرة في قضية
سلمان رشدي والتغاضي عنها، مهيِّئين المقدمات اللازمة لها فواجهتهم وقاومتهم بشدة.
8- آية الله فضل
الله: إذا كانت هناك بعض السلبيات التي أصابت إيران، أو السمعة الإسلاميّة
العامّة، من خلال الهجمة الدولية السياسية أو الثقافية، فإنّ الإيجابيات كانت
كثيرة، وقد هزّت العالم من أقصاه إلى أقصاه، في معركةٍ ثقافيةٍ سياسيةٍ بحجم
المرحلة، واستطاعت أن تُدخلنا في تجربةٍ جديدة لا بدَّ، وبكلمةٍ واحدةٍ، إنَّ علينا أن نضع هذه الفتوى في
دائرة المعركة المفتوحة مع الاستكبار الغربي والكفر العالمي، لا في دائرة حرية
الفكر.
9- آية الله جوادي الآملي: هذا الحكم ليس
مجرد فتوى حتى يعرض بشأنه حديث البقاء على فتوى الميت، بل هو حكم قضائي، يكون وجوب
تنفيذه على الوالي.
10- الشيخ الرفسنجاني: كان كتاب الآيات
الشيطانية افرازاً لمؤامرة عالمية أسوء من الحرب المعلنة.
سابعا: الحملة المنظمة الغربية
للترويج لكتاب "آيات شيطانية":
لقد كانت هناك حملات اعلامية وترويجية وعلى
مستوى رسمي لم يسبق له مثيل للترويج للكتاب في
وسائل الاعلام الغربية خاصة كتقريرات مفصلة في الصحف عن الكتاب، الدعوة وترشيح
الكتاب للفوز بجائزة الادب في لندن، التمجيد المبالغ فيه للرواية مثل صحيفة
الساندي تايمز ذكرت (انه قطعة فنية رائعة في شكل رواية تعتبر اكثر طموحا من أي عمل
اخر كتب!)، صحيفة اللوموند الفرنسية (ان سلمان رشدي روائي واديب من الدرجة الأولى،
وان الكتاب هو رواية عالية المستوى ونص ادبي ممتاز!)، ثلاث صحف فرنسية نشرت مقاطع
من الكتب في وقت واحد وهي "الليبراسيون،افنمودي دي جودي، لنوفيل
ابزرفاتور" ما يشبه تنسيق اعلامي لنشر الكتاب وغيرها.
ثامنا: التناقض
بين ادعاء الغرب حماية الحرية الفكرية بوقوفها مع سلمان رشدي وبين حقيقة الموقف
الرسمي والحقيقي للغرب:
لقد دافعوا عنه
باسم الحرية الفكرية ولكن الحقيقة تكشفت مع الوقت انه كان مجرد اداه وواجهة استعملت
ودعمت لأجل ضرب المقدسات الدينية، وهنا نشير لبعض النقاط التي تدل على الدعم
الرسمي اللا-محدود لسلمان رشدي:
1- سلمان رشدي هو
شخص محسوب على التيار اليساري الغربي الذي يضم مجموعة ضغط صهيونية معروفة
بتوجهاتها الصهيونية الحادة (مجلة العالم العدد 264)، لذا نعرف لماذا الدعم
اللا-محدود له.
2- سحب السفراء الأوربيون
بعد 5 أيام من الفتوى، دعت بريطانيا الدول الأوربية لسحب سفراءها من إيران واول
دولة بدأت به بريطانية في 20 شباط 1989 وقد هدد وزير الخارجية البريطاني وقال (على
إيران ان تتخلى عن فتوى الخميني والا فان بريطانيا غير مستعدة للحفاظ على علاقاتها
معها)، وعمل الغرب على حصار اقتصادي على إيران.
3- خطوة سحب
السفراء والحصار الاقتصادي وضحت بجلاء الخلفيات الحقيقية للدعم بتحويل القضية الى
قضية سياسية كبرى، وبذلك استطاعت الفتوى ان تكشف الخلفيات السياسية التي كانت وراء
كتابة الكتاب، وأنَّ الدول الغربية لازالت تعيش عقليّة مبغضة للإسلام بحمايتها لشخص
واحد قبال مليار مسلم، وإلا ما معنى الموقف الرسمي للدول الغربية كلها من الكتاب
ولأجل حماية شخص واحد؟! في المقابل لا تقف لحماية مقدَّسات مليار مسلم.
4- اعلان إسرائيل
استعدادها لاستقبال رشدي وتوفير الحماية اللازمة له، هذه الخطوة أوضحت وبينت
الأضواء على الهوية الصهيونية لرشدي والدور الصهيوني في حركة الإساءة للمقدسات.
5- أعلنت حكومة
إسرائيل في 20/2/1989 انها ستعمد الى ترجمة رواية الآيات الشيطانية الى العبرية.
6- صحيفة الصنداي
اوبزروفر نشرت في 26/2/1989 خبر مفاده ان الموساد الإسرائيلي قدم لسلمان رشدي عرض حمايته
مدى الحياة.
7- مؤخرا منح
"لقب
فارس" لسلمان رشدي من قبل الملكة إليزابيث الثانية في 2007 جراء ما سموه بالخدمات
التي قدمها في مجال الأدب! فأي خدمات غير قضيته وكتابه المعروف "آيات
شيطانية"! وألا يؤكد منح هذا اللقب لهذا الشخص التوجه العام والرسمي والدعم
اللا-محدود لرشدي؟!.
التناقضات
الصارخة للدول الغربية من وقوفها مع سلمان رشدي:
1- ذكر في كتاب
"الافك المعاصر" أن سلمان رشدي نفسه كان أحد الكتاب البريطانيين
الموقعين على ما عرف بميثاق 88 والذي يتضمن انتقادات عنيفة لما وصف بالرقابة
الصارمة التي تفرضها حكومة تاتشر وتمنع بموجبها نشر العديد من الكتب والمقالات
الصحفية.! فأين حرية الفكر؟!.
2- من يشكك في حدث
تاريخي كمحرقة اليهود (الهولوكوست) من أي جهة كبحث علمي أو صحفي أو مجرد الخوض
بحديث يشكك في حدوثها فمصيره السجن! فأين حرية الفكر؟! الهولوكوست يعتبر عندهم
أعظم من إنكار وجود الله سبحانه وتعالى! انها الازدواجية والانتقائية في ابها
صورها! في فرنسا هناك قانون جيسو-فابيوس وهو قانون يسمح بمعاقبة كل من يناقش أو ينفي
الجرائم التي ارتكبت في حق اليهود ابان الحرب العالمية الثانية مما يعتبر هذه
الحادثة لوحدها فقط أكثر من مقدسة! وهو أيضا مخالف للدستور الفرنسي والاعلان
العالمي لحقوق الانسان لأنه اوجد عنصرية وتفرقة لصالح فئة واحدة من ضحايا هتلر، وقد
عوقب المفكر الفرنسي "روجيه جارودي" لنشرة كتابه بعنوان (الاساطير
المؤسسة للسياسة الإسرائيلية) وحكم عليه بغرامة (20) ألف دولار مع السجن لمدة عام
فقط لأنه دعا لمراجعة عدد ضحايا الهولوكوست كما حكم بالسجن من ينشر الكتاب في
اوروبا، وفي المانيا يحكم على منكر الهولوكوست بالسجن (5) سنوات.
3- ممنوع لأي أحد
ان يرفع شعار النازية او يروج لأفكار النازية كما في المانيا مثلا (يحضر بيع او
شراء او طباعه او توزيع أي مقال او كتب او هتافات) ولو على سبيل المزح مؤيدة
للنازية! ولكن ليس للمسلمين نفس ذات الحق من اجتثاث من يسب ويهين مقدساته؟!.
4- مقدسات المسلمين
مباحا ولا يعاقب عليها القانون في الغرب باسم حرية التعبير مثلا ما قامت به صحيفة
دانماركية ( جيلاندس بوستن ) 30 سبتمبر 2005م وهي صحيفة معروفة وذات مصداقية كبيرة
لدى الشعب الدانماركي على إعلان مسابقة لرسم أفضل كاريكاتير يسئ للرسول (ص) وتم
نشر مجموعة من هذه الكاريكاتيرات على مدار عدة أسابيع، وبمعرفة من الحكومة
الدانماركية، وموافقتها بل وتأييدها، وبتفاعل الرأي العام الدانماركي معها، وعند
اعتراض الجالية الإسلامية بالدنمارك جوبهت بتضامن كل الهيئات الحكومية مع الصحيفة
على خلاف القانون الدنماركي الذي يحظر أي تهديد أو إهانة أو حط من شأن أي إنسان
بصورة علنية، بسبب الدين أو العرق أو الخلفية الإثنية، وهذا ما شجع صحيفة أخرى وهي
«مغازينات» النرويجية بإعادة نشر هذه الكاريكاتيرات في 10 يناير 2006م فهذه هي
شعارات حرية التعبير والفكر المسموح بها عندهم.
5- في بريطانيا يتم التعامل مع المقدّسات وفق قانون خاص يسمى ( LAW BIASPHEMY ) الذي يمنع سب المقدّسات ومنها
فقط المسيحية! فعندما أعلن مخرج دانماركي اعتزامه إخراج فيلم في إنجلترا عن الحياة
الجنسية للمسيح أدى ذلك إلى موجة غضب واطر المخرج للتراجع، ولكن عندما عزم المسلمون
في بريطانيا أن يرفعوا دعوى قضائية ضدّ (سلمان رشدي) ذكروا لهم بان القانون خاص
بالمقدسات المسيحية وامر "سلمان رشدي" يندرج في إطار حرّية التعبير !
وغيرها العشرات من
القضايا والمواقف كالحجاب ومنع بث قناة المنار وغيرها التي تبين ان هناك ازدواجية
فاضحة حين الحديث عن حرية التعبير في الغرب وتبين ان "التابو" الذي في
عقولنا عن حرية التعبير في الغرب سيصطدم بوقائع عملية حين ننظر بعيون غير مشوشة.
تاسعا: هل
مسالة الفتوى كانت ضمن حدود التنافس السني/الشيعي للتسيد على الساحة الإسلامية؟
الفتوى جاءت بعد ما يقارب 5 شهور من صدور الكتاب وبعد
الردود الخجولة في العالم العربي من حكام وعلماء وجاءت لان المستهدف هو جميع
المسلمين فنبرى السيد الامام الخميني ليحدث هزة في كل هذا الواقع، فلو كان الهدف
التسيد لكان سباقا لإعلان الفتوى وأولهم ولم ينتظر فترة ليرى ردود الأفعال في
العالم الإسلامي اولاَ!
واظهرت الاحدث التي نتجت عن هذه الفتوى أن
المجتمع الاسلامي امة واحدة، وان المسلمين رغم اختلافاتهم الداخلية والجزئية إذا
توافرت لهم قيادة حكيمة يستطيعون ان يلعبوا دوراً فاعلاً في حركة احياء القيم الدينية
وعلى مستوى العالم.
عاشراً: الم
يعطي الحكم كتاب آيات شيطانية ومؤلفة حجما لم يكن يحصل عليه قبل الحكم؟
على عكس ما يروج له بان فتوى الخميني
أعطت مساحة أكبر لانتشاره في "ذلك الوقت" الذي صدرت فيه، بل ان غالبية
دور النشر والدول ومنها الكبرى ومثال روسيا وهولندا وكندا واضطرار كبرى مؤسسات بيع
الكتب في أمريكا (ولدن بوك) بتاريخ 17/2/1989 أي بعد 3 أيام من الفتوى وقف بيعها
حفاظا على امن موظفيها ومجموعة من دور النشر الغربية في المانيا إذا كلها تراجعت
عن نشرة وتبنيه بعد فتوى الخميني.
كانت هناك حالة تراجع في انتشار الكتاب
وفي مواقف التبني الغربي السابق للرواية وغيرت حتى اللهجة من المعارضة ضد
الاحتجاجات ضد الرواية الى تصريحات تفهم لما يشعر به المسلمون من الإساءة وهذا كله
بعد أسبوعين من الفتوى!
صرح وزير خارجية روسيا ادوارد شيفردنازة (أعلن عن اسفي واستغرابي للفتوى وأعلن رسميا قرار نشر الكتاب في الاتحاد السوفيتي من باب حرية التعبير) بعد بيان الخميني الثاني بشأن التأكيد على قتل رشدي تحول الموقف الروسي الى الصمت والحياد حتى انها رفضت طلب الغرب بالتوسط لدى طهران تجنبا لغضب إيران اتجاه روسيا. وقد تراجعت عن نشر الكتاب ومنعت نشره حيث صرح ميخائيل نيناشيف رئيس لجنة النشر وتجارة الكتب في الاتحاد السوفيتي خلال وجوده في نيودلهي ان (بلادة لا تنوي نشر كتاب الآيات الشيطانية موضحا ان بلادة مع مبادئ عدم نشر كتاب يهين الشعور الوطني او الديني لأي امه في العالم).
ولم يتم انتشاره
بصورة واضحة وعلنية وواسعة، إلا بعد اعلان الرئيس الإيراني الإصلاحي
السابق محمد خاتمي أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة بنيويورك عام 1998 أن قضية
رشدي "انتهت تماما" للحكومة. وإعلان وزير الخارجية كمال خرازي آنذاك أن
إيران الحكومة لن تهدد حياة الكاتب أو تشجع الآخرين على قتله.
الحادي
عشر: هل للفتوى تأثير؟ خاصة وأنها لم تنفذ؟
على الجانب الشخصي:
سلمان رشدي عاش الموت عشرات المرات جراء
الفتوى واليكم بعض الأمثلة:
1- على مدى نحو 13 عاما، تنقل بين مساكن
سرية متعددة تحت اسم مستعار هو جوزف أنطون، بحيث غير مكان إقامته 56 مرة خلال
الأشهر الستة الأولى.
2- رشدي في مذكراته في 2012 تحت عنوان
"جوزف أنطون" كتب يقول "أنا مكمم ومسجون لا يمكنني حتى الحديث.
أريد أن أركل كرة في حديقة مع ابني. حياة عادية مملة: هذا هو حلمي المستحيل".
3- لمجرد علاج اسنان وضع حراسه في إحدى
المرات خطة معقدة لنقله إلى المستشفى لمعالجة أسنانه. وأوضح رشدي "أحضروا
سيارة دفن موتى وكانوا سينقلونني مخدرا في كيس مخصص للموتى". إلا أنهم لم
يضطروا في نهاية المطاف إلى اللجوء إلى هذه الحيلة.
4- كان للعيش في الخفاء تأثير كبير جدا على
حياته الخاصة فقد انفصل عن زوجتيه الثانية والثالثة معترفا أنه خانهما.
5- نشرت مجلة «لير» الفرنسية مقالات تحت
عنوان «حياة سلمان رشدي على مدى 24 ساعة» بقلم «كارتين ارغان» وفيها «لم ينم خلال
هذه السنوات الخمسة ولا حتّى ليلتين متتابعتين على سرير واحد، إنّ سلمان رشدي
محروم من الورقة الانتخابية بسبب عدم وجود مكان محدد لإقامته في بريطانيا، يلتقي
رشدي بأحد أصدقائه بين الفينة والأخرى، وفي كل مرة يحاط موضع اللقاء بتكتم كامل،
ويُفتّش المكان مسبقاً بدقّة تامة من قبل الشخصين اللذين يتوليان حراسته ويلازمانه
على الدوام» ونقلاً عن هذه المجلة: «إن سلمان رشدي ذهب إلى السوق مرة واحدة منذ
خمس سنوات لابتياع الملابس، وهو يعيش متخفياً بسبب شدّة الذعر والقلق.
6- مجلة "لير" الفرنسية «التدابير
الأمنية المتخذة لحمايته تكلف مبلغ نصف مليون دولار سنوياً، يدفع رشدي ثلثه.
وطالما بقي هذا الكاتب مرغماً على عدم السير في أي شارع، ولا مشاهدة أي فيلم
سينمائي، ولا ارتياد أية مكتبة، يبقى حذاؤه جديداً وبراقاً على الدوام. وحالة
السكون هذه تزيد من وزنه». وواصلت هذه
المجلة الفرنسية مقالتها بالقول: «إنّ ليالي رشدي طويلة ولا أحد يعرف عنوانه، ولا
حتى أصدقاؤه الكتّاب، ولا أمّه التي تعيش في الباكستان، ولا أخواته الثلاثة اللاتي
تعيش إحداهن في بريطانيا، ولا زوجته السابقة، ولا ابنه الوحيد البالغ من عمره 15
سنة، والجهة الوحيدة التي تعرف محل سكناه هي الشرطة.
على الجانب العام نذكر بعض
الأمثلة:
1- فرض تأثير الفتوى والموقف الاسلامي العام
على منظمة المؤتمر الإسلامي اعلان رسمي بتأييد الحكم الصادر من الخميني.
2- يذكر المدير العام الاسبق لمؤسسة شهيد
الثورة الاسلامية «محسن رفيق دوست» في الجزء الثاني من كتابة «أقول
للتاريخ» " ان هذه الفتوي تركت أثرا كبيرا
للغاية على الساحة العالمية، وقد زار طهران وفد سعودي، وكان ضمن هذا الوفد أيضا
العالم السعودي الدكتور محمد عبد يماني الذي كان يقول ان الامام الخميني أعاد
العزة الى المسلمين من خلال اصداره فتوي اهدار دم سلمان رشدي".
3- اِلفين تافلر-عالم ومنظّر أمريكي معروف:
"عندما أصدر الإمام الخميني(رض) فتاوى إهدار دم سلمان رشدي في الواقع كان يرسل رسالة تاريخية لجميع
قادة العالم عجز عن تحليلها الكثيرون فلم يكن المحتوى الأساسي لرسالة الإمام شيء
سوى حلول عصر جديد من الحكم العالمي، ينبغي على الغرب أن يدرسوه بدقة.
الثاني
عشر: هل لا زالت الفتوى قائمة الى يومنا هذا؟
نعم فقد التأكيد عليها مرارا من قبل بعض
المراجع ومن قبل السيد الخامنئي في خطابه عام 2005 هذا من جانب الجهات الدينية
العليا في إيران اما في الجانب الرسمي فمند إعلان خاتمني عام 1998 أن قضية رشدي
"انتهت تماما" للحكومة بذلك أصبحت الحكومة معفية من تنفيذها او تبنيها
للفتوى وطبعا جاء ذلك بضوء اخضر من السيد الخامنئي.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق