التسامح بين الفيلسوف الانجليزي جون
لوك والإمام علي (ع)
أبو محمد – مقال مختصر-7 ديسمبر 2018
يعتبر الغرب ان اول من اسس فلسفيا
للتسامح الديني وحقوق الانسان وعدم تدخل الدولة في الدين والحكم المدني والحرية هو
الفيلسوف الانجليزي "جون لوك" (1632-1704) في القرن الـ16 ميلادي
ويعتبرونه انه هو "أب الليبرالية" وانه المنظر فكريا والمساهم في الحراك
الذي اسقط الملك في إنجلترا عام 1688 والذي على اثره نزع الملك من ملك كاثوليكي
الى ملك بروتستانتي وبذلك أسست ولأول مرة في التاريخ دولة لديها هامش من الحرية
والقانون عبر الاستفادة من أفكاره وفلسفته وأيضا يعتبر ملهماً لفلاسفة عصر التنوير
مثل فولتير عن الحرية والتسامح ومونتسكيو
عن الفصل بين السلطات وجان جاك روسو عن العقد الاجتماعي وتم استلهام أفكاره
في تأسيس دستور الولايات المتحدة الامريكية.
في ظل الحروب والتطاحن والتعصب الطائفي
التي عاشها في فترة حياته خاصة الدينية بين الكاثوليك والبروتستانت جاءت مقالته
بعنوان "رسالة في التسامح" والتي أكد فيها على ضرورة القضاء على التفكير
الأحادي والتعصب الديني وبناء منظومة حقوق تؤسس لمفهوم التسامح تعتمد على مبدا
الفصل بين الدين والدولة والمساواة في الحقوق بين جميع الطوائف وان الله لم يفوض
احدا في الكون في ان يفرض على أي انسان دينا معينا وان قوته تكمن في باطن الانسان
وهو العقل ورفع شعار " إن حريتي تنتهي عندما تبدأ حرية الآخرين".
ولكنه استثنى جهتين:
"الملحدين" والذين يرى انهم غير اهل ثقة ما داموا لا يخشون الهاً ولا
ديانة و"الكاثوليك" الذين اعتبر ولائهم للخارج ولسلطة اجنبية للبابا
سواء في روما او اسبانيا.
بينما لدينا نحن المسلمين قبل (10
قرون) من جون لوك رجل حمل رسالة التسامح على نطاق أوسع وأشمل طبقها نظريا/تشريعيا
وعمليا بعد رسول الله (ص) وهو الامام علي (ع) ومثال بسيط على ذلك ما جاء في عهده
لمالك الأشتر: “وأشعر قلبك الرحمة للرعية، والمحبة لهم واللطف بهم ولا تكونن عليهم
سبعاً ضارياً تغتنم أكلهم، فإنهم صنفان : (إما أخ لك في الدين أو نظير لك في
الخلق)"، فقد دعا الامام علي (ع) الى التعايش والتسامح في اقصى حدوده بين
الرعية والراعي من منطلق الحب ليشمل جميع مكونات النسيج الاجتماعي للمجتمع و على
مبدا الرحمة وانصاف الناس وان التعامل مع الناس هو عبر أساسين فإما يكون معك في
الديانة او هو نظير لك في الخلق انسان مثلك ليعطي بذلك بعد اشمل وفي اقصى حدوده.
مثال ثاني على التطبيق العملي: كان في
عاصمة الدولة الإسلامية (الكوفة) تعيش مجموعة من الطوائف اليهود، المسيحيين،
الصابئة وغيرهم فكان الامام علي (ع) يكفل لهم حريه المعتقد وممارسة شعائرهم بل قيل
ان جرس الكنيسة كان يسمع في عاصمة الدولة الإسلامية.
مثال ثالث للتطبيق العملي: كان في
الكوفة فرقة الخوارج وكانت معارضة مسلحة تكفر خليفة المسلمين الامام علي (ع) بل
ويقاطعونه في خطابه في المسجد ولم يمنعهم من اظهار آرائهم فضمن لهم الامام رغم ذلك
ثلاثة أمور: السماح بالتواجد في المسجد، إعطاء المال من بيت المسلمين، عدم البدا
في قتال، فهل كتب التاريخ تعامل أكثر تسامحا ضد مخالفيه ومن معارضة مسلحة ومكفرة
بصورة خاصة؟! فلم يبدئهم بقتال حتى بدئوا هم بالعنف والقتل.
وهناك العشرات من التشريعات والتطبيقات
العملية لمبدأ التسامح في فترة الحكومة العلوية لا يسمح المجال لذكرها، كما لم
يسجل التاريخ جزئية بسيطة ضد التسامح في عهده وأما إغفال العالم والمسلمين خاصة عن
نهج وكلمات وخطب وافعال الامام علي (ع) يعبر عن أقسى مظلومية لهذه الشخصية
الإسلامية العظيمة فمطلوب منا اظهار بعض تلك الابعاد لهذه الشخصية العظيمة
والمظلومة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق