الأحد، 23 يونيو 2019

مقال: ظاهرة النقد...نقد الدين مثالاً


ظاهرة النقد...نقد الدين مثالاً

بقلم أبو محمد 23 يونيو 2019

من الظواهر الواضحة هذه الفترة والتي يمكن ملاحظتها بوضوح وتعتبر من أهم وأكثر ما يركز عليه هي ظاهرة "نقد الدين" خاصة مع انتشار وسائل التواصل الاجتماعي مثل تويتر والفيس بوك والواتساب وغيرها من المواقع والتي بدورها وضعت لكل فرد منبر خاص به يقدم فيه آرائه الخاصة حول بعض القضايا الدينية وتنشط هذه الآراء خاصة الموسمية منها كهلال رمضان وشوال والقضايا التاريخية والتفاسير القرآنية والفتاوى الدينية الخ. وعليه من خلال هذه المنابر الخاصة تظهر الحالة وكأنها اشبه بما يكون ان الكل أصبحوا علماء ومفسرين ومفتين وأصحاب آراء في القضايا الدينية وخاصة التخصصية منها! وعليه نقدم اسأله ومن خلال هذه الأسئلة تتضح صورة من نريد إيصاله عبر هذا المقال.

1- هل النقد ضرورة مطلوبة؟
نعم، كل مجتمع وكل فكرة ومشروع يحتاج الى النقد فهو يعتبر توازن بين السلطة والمعرفة في المجتمع وكل مجتمع لا ينقد أفكاره ولا يحرك طاقة العقل لديه لا يتكامل ولا يتطور ولا يتغير ولا يبدع وعدم نقد الذات هو تخدير لفكر وعقل الناس والمجتمع.

2- هل الشعار والصيغة المرفوعة باسم " نقد الدين" صحيحة؟
لا هي صيغة خاطئة، وهو خطأ شائع في رفع مثل هذا الشعار والصيغة عند بعض المثقفين والحداثيين عندما يتناولون هذه المسألة فترى مثل هذه العناوين مثل "نقد الدين، تصحيح الدين، قراءة جديدة للدين، إعادة قراءة للدين" وهي شعارات خاطئة فهناك نوعين للدين: هناك (الدين) وهناك (فهم للدين) سنبينهم بشكل أوضح في الإجابة على الأسئلة القادمة.

3- ما هو الفرق بين الدين وفهم الدين؟ وما هو القابل للنقد من الدين؟
الفرق هو كالتالي:

أ- (الدين) هو "المقدس/الضروريات" (اتفق المتدينون عليه بالبرهان القطعي) مثل الايمان بالله سبحانه وتعالى واليوم الآخر والقرآن الكريم والانبياء والمعصومين (ع) والحج والصوم والصلاة والعمل الصالح والخ من الأمور التي علم بالقطع واليقين انها من قبل الله ومجمع عليها وحتى في الرسائل العملية لمراجع الدين مكتوب لا تقليد في "الضروريات"، لذا المقدس هو فوق النقد لأنه لا يحتمل الخطأ وكلمة دين لا يطلق الا على الأمور التي ثبتت بالقطع واليقين انها من عند الله.

ب- (فهم الدين) "النظريات" وهو مفهوم "المحترم" قابله للبحث والتقويم بمعنى يحتمل ان يكون صائب ويحتمل ان يكون خطا وغير مقدس مثل السنة والاحكام والآراء الفقهية والتفسيرات وفهم النصوص التي هي فهم واجتهاد بشري وفهم الدين هو قابل للنقد والاخذ والرد.
إذا ما "لا يقبل" النقد هو (الدين المقدس/ضروريات الدين)، و"القابل" للنقد هو (فهم الدين) النظريات القابلة للنقد المبني على المنهج العلمي وليس المبني على الخواطر الشخصية والنفسية.

4- هل الدين بحاجة للنقد؟
النقد يعتبر من معالم التجربة الناجحة واذا قدم المجتمع الديني نموذج ناصع وسليم ومتقدم للنقد يمكن تقديمه للعالم، والدين مبني على النقد فحركة الأنبياء جاءت لتقدم تجربة نقدية للمجتمع وحركة العلماء والمفكرين والمصلحين طوال التاريخ الذين طوروا مجتمعهم وتقدموا بالدين عبر النقد ومثال على تجربة الجدل النقدي والنقد المضاد في المجتمع الديني هو صراع "الاخباريين والاصوليين" في المجال الديني وصراع "الحركة الدستورية" في ايران في المجال السياسي بين تيارين المشروطة والمستبدة وكان للمرجع النائيني في رده النقدي بكتاب "تنبيه الامة وتنزيه الامه" خير دليل على الحاجة للنقد وهناك مفكري هذا العصر مثل الشهيدين مطهري والصدر في نقد الفكر الديني وكل هذه الحركات النقدية قدمت تطورا في المعرفة البشرية لنصل الى ما نحن عليه اليوم.

وهناك أمور وخطوات يجب توافرها في المجتمع ليصعد النقد الى المطلوب وهي (الإقرار العملي بعدم العصمة لاحد، التمييز بين الموقف السلبي "الاستهزاء والسخرية" لبعض الناقدين والموقف الإيجابي للناقدين، إيجاد أرضية صحية ونموذجية للنقد البناء عبر توفير "الحماية الاجتماعية" من خلال الوعي الثقافي والاجتماعي فليس من المعقول عندما ينبري أحد في المجتمع للنقد البناء الذي يحتوي على الشروط العلمية والأخلاقية يشعر وكأنه أذنب او ارتكب خطا وجريمة.

5- ما هي ركائز وضوابط النقد البناء؟
هناك عدة ركائز وضوابط للنقد الهادف وليس الهادم نذكرها كالتالي:

أ- (الكفاءة والثقافة): لابد من توفر الكفاءة العلمية لدى الناقد حتى يكون قادرًا على النقد وإلا كانت النتيجة عكسية ومفسدته أكثر من منفعته فعندما تريد نقد فكرة طبية لابد لك من ثقافة واطلاع في الطب وكذلك في الدين إذا كنت تريد نقد فكرة دينية لا بد لك من ثقافة دينية واطلاع، فالنقد بدون علم يعتبر "ثرثرة".

ب- (الاستقامة): الناس اول ما تخرج وتنتقد ستقرأ سيرتك الذاتية هل انت مستقيم ونزيه ام لا لكي يكون لكلامك أثر لابد من الاستقامة لكيلا يكون النقد لغو لا تأثير له.

ت- (ان يكون النقد لهدف): ان يكون النقد لأهداف سامية وناصعة وليس لمصلحة ومآرب شخصية ويجب ان نفكك بين الفكرة والمفكر، بين الفعل والفاعل فانتقد الفعل ولا انتقد الفاعل فعن الامام علي (ع) قال "انظر إلى ما قيل، ولا تنظر إلى من قال" وهذا هو النقد الموضوعي.

ث- (لغة وأدب النقد) النقد يحتاج إلى أدب ولغة وأسلوب واخلاق رفيعة وليس لتجريح واستهزاء ولغة هابطة.

6- ما هي الأسس لنقد الفهم الديني؟
هناك أسس لازمة يسلم بها العقلاء في نقد فهم الدين وهي كالتالي:

أ- التخصص: ليس من حق أي شخص إعطاء راي في القضايا الدينية فكل رأي ديني يجب أن يكون مبني على "أسس" وليس رأي اعتباطي او نفسي، فمثلا عندما يريد المجتهد استنباط مسالة فقهية ما يقوم بعملية الاستنباط التي تتوقف على عده علوم منها "الإحاطة بعلوم القرآن الكريم" وفيه الإلمام باللغة العربية والنحو والصرف والبلاغة، "الإحاطة بعلم الحديث وعلم الرجال وعلم الأصول وعلم الدراية والبحث في الكتب والمخطوطات" الخ وغيرها من العلوم التي تحتاجها عملية الاستنباط فلذا نقدك يجب ان يكون مبني على مثل هذه الأسس وليس مبنى على المزاج والشعور النفسي والصورة الظاهرة فإذا لم تكن تملك هذه الأدوات لا يمكن ان تقيم النتيجة الدينية التي وصل لها المجتهد الفلاني! فليس الاطلاع فقط يؤهلك لإعطاء رأي في مسائل تخصصية فمثلا قراءة الكتب الطبية هل تؤهلك لأن تصبح طبيب؟ لا، الاطلاع يؤهلك ان تصبح مثقف وليس متخصص.

ب- لغة النقد: لغة النقد شيء مهم فقد يكون النقد صحيح ولكن لغة النقد وصياغتها خاطئة فعن الرسول (ص) " راس الحكمة مداراة الناس" فلابد مثلما تريد ان يكون رأيك محترم بان يكون راي  محترم.

ت- إيجاد البديل: الغرض الأساسي للنقد هو لطرح البديل الأفضل، إذا مطلوب مع عملية النقد تقديم البديل ليكتمل نقدك ويكتمل بناءك، نعم في بعض الموارد يمكن ان لا نطلب من الناقد تقديم البديل فهناك من النقاد من لديه القدرة والموهبة في رؤية الخلل فيشير اليه وهناك طرف ثاني يستطيع تقديم واقتراح البديل بعد التبين من صحة نقده وبذلك تكتمل الدائرة وتتكامل الأطراف الثلاثة (صاحب الفكرة الخاطئة، والناقد، ومقدم البديل).

7- ما هو الأسلوب الأنسب لنقد بعض القضايا الدينية؟
الأسلوب المتبع حاليا في مواقع التواصل الالكتروني ليس صحيحا، لأنك إذا كنت تريد نقد قضية دينية بصدق نيه هناك طرق عديدة عليك اتباعها أولا، اليوم بفضل التكنلوجيا وتقريب البعيد سواء بالهاتف او الانترنيت يمكنك الوصول بسهولة الى ما تريد، فالمؤسسة الدينية موجودة وبإمكانك باستخدام وسائل التواصل نفسها أن ترسل نقدك وأبحاثك إلى المؤسسة الدينية لترى ردهم، نعم في حال العجز  عن الرد من قبل المؤسسة الدينية وحين قيامك باستخدام كل السبل للوصول والحصول على الإجابة الشافية حينها تكون لك حجة أنك سجلت ملاحظاتك ونقدك فلم تحصل على إجابة شافية ومقنعه وحينها تستطيع النشر  في أي موقع وفي أي مصدر إعلامي، أما أن تبدا أولا بنشر النقد للقضايا الدينية بدون البحث عن أجوبة وبدون التواصل مع أصحاب الشأن فنتيجة ذلك تكون مصدر لاختلاف المجتمع ونشر الفتنة الفكرية فيه فهذا الأسلوب ليس صحيح ولا عقلائي وليس الأسلوب الأمثل لنقد القضايا الدينية.

8- كيف يتحول النقد الى مرض؟
هناك بعض الفئات الاجتماعية لديها مرض اسمه مرض النقد لا يهتمون إلا بالعيوب فلا يرى إلا بعين واحدة بحيث لا يرى الإيجابيات بتاتا، هناك أشخاص ينقدون كل شي، كل ما حوله خطأ وغير صحيح وهو ما يسمى (ادمان) النقد السلبي وهو مرض نفسي واخلاقي، وهذه الفئة نراها خاصة في الموجه الناقدة للإسلام فلا يرون العناصر الجميلة للإسلام ابدا والحالة السليمة هي رؤية الأمور بعيني الاعتدال الإيجابي والسلبي معا، مثل هذه الفئة تقتل الابداع في المجتمع وتقتل المواهب المتفتحة فيه، وهذه الفئة تعتبر من أسباب تضاؤل الإبداع وتراجع العبقريات الناقدة في المجتمع، هذه الفئة لا ترحم فتنبري لأي شخص لديه موهبة وملكة فمثلا يوجد في المجتمع ابداع في الشعر والفكر والفلسفة والفن وغيرها تقتله هذه الفئة المريضة التي لا تعرف إلا لغة النقد ولغة التحبيط ولغة التجريح، فهذه الفئة المريضة عامل من عوامل هدم وقتل الإبداع في مجتمعاتنا، النقد مطلوب ولكن لا يتحول إلى مرض.

أيضا هناك فئة تركز على الهوامش بالنسبة لأصل الفكرة التي يريد صاحبها ايصالها وهذا النقد ليس عمليا ولا أخلاقيا أيضا لأنه يؤدي بنا الى الانحراف عن أصل الفكرة والدخول في الهوامش التي لا تأثير لها، لذا يجب التركيز على المنهج والفكرة الرئيسية والنتائج التي تنبي عليها هذه الفكرة والأدلة لأثبات هذه الفكرة وليس الهوامش واخطاء تعبيرية او جمله هنا وهناك فهذه ليست قوة وقدرة بل هزالة وضعف، فيجب ان يكون النقد كليا جامعا.

9- ما هي الأسباب لانتشار ظاهرة نقد الدين؟
هناك أسباب عديدة ذكرت في هذا الجانب اذكر منها ثلاث أسباب ذكرها أحد العلماء المعروفين في محاضرة له وتختص "بنوعية معينه" من المنتقدين وهي:

أ- تقليد الاخر : في أواخر القرن السابع عشر ظهرت الثورة الفرنسية ومن الأسباب الرئيسية للثورة الفرنسية ان هناك طبقة اقطاعية متسلطة  وفي المقابل هناك طبقة مهمشة والطبقة الاقطاعية مستمدة شرعيتها من الكنيسة التي كانت متحالفة مع هذه الطبقة فلهذا اول محاولة لضرب هذه الطبقة الاقطاعية هي في نقد الكنيسة وابعادها عن الواجهة لأنها هي الأساس في بقاء الاستبداد والاستعباد وهنا جاء هذا دور الفلاسفة مثل فولتير وروسو وغيرهم، واليوم الشباب يسقطون ذلك الواقع والتاريخ على هذا الزمن ويعتقدون ان المؤسسة الدينية هي متسلطة وبيدها كل شيء والتطور لا يكون الا بنقد وضرب هذه المؤسسة الدينية بينما هناك فرق كبير بين الجهتين! فالكنيسة هي من تنصب وتعطي الشرعية للحاكم وهي من كان يقمع ويقتل العلماء بينما المؤسسة الدينية هي ابعد ما يكون عن هذا.

ب- الانهزامية: في هذا الزمن هناك عاصفة إشكالات كبيرة ففي الزمن الماضي لم يكن هذا الحجم من الإشكالات قائمة اما اليوم فالإشكالات تصل الى يدك عبر وسائل التواصل الالكتروني فهذا الشاب يواجه عاصفة من الإشكالات وفي المقابل لا توجد لديه القدرة والمعرفة على الجواب فيشعر بانهزامية فيصب جام غضبه على الدين فينتقده.

ت- شرعنه الانحلال الاخلاقي: هناك بعض الأصوات تريد ان تجعل من بعض الأمور المحرمة وبعض الأمور التي فيها اشكال شرعي "مباحة"! فمثلا المرأة لا تريد الحجاب فيتوجهون بسيل النقد على الدليل على وجوب الحجاب، ومثلا هناك أصوات تتحدث عن عدم وجود دليل قطعي على حرمه شرب الخمر الخ من الأمور التي تريده هذه الأصوات من اباحة الحرام او اسقاط الواجبات وتريد ان يكون الدين شكلي فقط.

..انتهى..

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

مراجعة لكتاب د. محمد مجتهد شبستري "نقد القراءة الرسمية للدين"

مراجعة لكتاب د. محمد مجتهد شبستري "نقد القراءة الرسمية للدين" أبو محمد – مراجعة كتاب – 17 مارس 2020 في البداية يجب ع...