الاثنين، 30 يوليو 2018

شريعتي ... ما له وما عليه


شريعتي ... ما له وما عليه

بقلم أبو محمد 30 يوليو 2018

المفكر الإيراني الدكتور علي شريعتي (1933 – 1977) حاصل على الدكتوراه في "علم الاجتماع" (1959) من جامعة السوربون - فرنسا ومن ثم عاد الى ايران عام 1963، بعد ذلك دعاه الشهيد المفكر مرتضى مطهري (1919 – 1979) للتدريس والقاء محاضراته في حسينية الارشاد خلال الفترة من (1969 – 1973) أي لمدة خمس سنوات فقط قبل ان يغلقها الشاه ويعتقل شريعتي لمدة عام ونصف ثم يفرج عنه ليكون تحت الإقامة الجبرية بعدها عام 1977 يسمح له بالسفر الى فرنسا ليجدوه بعد 3 أسابيع متوفى في ظروف غامضة عن عمر 43 عام، هذه لمحة سريعة عن حياته اما عن كتاباته التي كتبها تحت ظروف صعبة وضاغطة (اعتقال، استدعاء، هجرة، حصار، خصومة) فكان لها أصداء في عده اتجاهات منها اتجاه السلطة البهلوية واتجاه الطبقة الدينية الموالية للسلطة ووعاظ السلاطين واتجاه الطبقة الدينية السلبية والصامتة اتجاه الأوضاع الاجتماعية والسياسية والتي تصر على التمسك بالسائد والمألوف وغيرها واتجاه طبقة الشباب الذي أراد له بناء ايدلوجية ثورية وعلى هذا كان هناك أعداء ومختلفون مع شريعتي فمنهم السلطة التي اعتقلت وحاصرت وقتلت وزورت في كتاباته لأثارة رجال الدين ضده ومنهم رجال الدين الذين وصفوه بأبشع الصفات (شيوعي، ماركسي، كافر، ضال، منحرف،الخ)  ووصلت لحد البصق في كتبه من على المنابر ومنهم منتقدي الأفكار  والنتائج التي وصل لها شريعتي ومنهم المؤيدون.
حال شريعتي حال الكثيرون من الداعين للتغير والإصلاح تكون الانتقادات اشد من نفس بلد ومنطقة الشخص كما قال الكاتب البحريني/ علي المحرقي في كتابة (العنف حين يأتي من الداخل): "يلاحظ هنا أنّ الشيخ المصلح والداعي للتغيير أو المجتهد في بعض الآراء وإن خالفت المشهور لا يسقطه إلا من هو مثله، ومن أبناء بلده، وهذه ملاحظة جديرة بالتأمّل والاهتمام، فأشدّ العلماء عنفاً ممّن وقفوا في وجه السيّد فضل الله هم أبناء لبنان، وأشدّ العلماء محاربةً لأفكار ودعوة السيّد محسن الأمين هم أهله من لبنان، وأكثر العلماء غلظة في موقفه من السيد الشهرستاني هم أهل العراق، ومن حارب علي شريعتي هم أهل إيران… وهكذا تجد الملاحظة ذاتها تتكرّر مع كلّ المصلحين، فأبناء الجلدة والبلد والأقرباء هم غالباً أشدّ الناس عنفاً مع من يفكّر ويخرج على السياق العام".

(معلم الثورة) هكذا أطلق عليه من قبل شباب الثورة في إيران ولكي ننظر الى ما قدمه شريعتي يجب النظر الى التالي:
- الظروف والوقائع والفترة الزمنية التي كتب فيها شريعتي وماذا أراد ايصاله.
- غالبية كتبه هي عبارة عن خطابات كانت تمتد من 3 الى 8 ساعات متواصلة كما ذكرها السيد موسى الصدر في حسينية ارشاد او الجامعات وهناك فرق بين تأليف وكتابة الكتب وبين الخطابات والمحاضرات.
- في لقائه مع السيد حسن الأمين بفرنسا صرح شريعتي امامه ان بعض الأمور التي جاءت في محاضرات العقائدية والتاريخية تحتاج إعادة نظر وتدقيق وانه سيقوم بذلك ولكن الموت كان أسرع من ذلك.
- في اخر رسالة لابنه وتعتبر الوصية طالب من اقرانه ومنهم الشهيد مرتضى مطهري ان يقوموا بتصويب الأمور حيث قال " لذلك يجب أن يُعاد النظر في هذه الكتابات من الناحية العلمية والفنية، وتصحيح الأخطاء اللفظية والمعنوية وتطبع مرة أخرى، هي ثمرة حياتي، وكل ما أتمنى، وهي كل وجودي وميراثي".
- ليس هناك كتاب معصوم، فكثير من أفكار شريعتي موافقة للإسلام ولكن له طرق معينه في فهم بعض القضايا الإسلامية.
- ان التهم التي أطلقت على شريعتي، كانت تطلق بصيغة وأخرى على (البهشتي، المطهري، الطالقاني، مفتح، الخامنئي)، حتى السيد الخميني وهذا يعرف من خلال قوله "إنَّ الضربات التي تلقيتها من مدعيِّ القداسة والمعممين -الذين يرتدون الزي الديني- السُذّج؛ كانت أشد وقعاً عليَّ مما تلقيته من أميركا وإسرائيل" المصدر/صحيفة "النور" الجزء22 صفحة200.

وقد انقسم العلماء الى عدة فرق حسب ما ذكر في كتاب محمّد باقر الصدر.. السيرة والمسيرة في حقائق ووثائق، ج3 وأضيف عليها إضافات بسيطة جدا منها:
الفريق الأوّلمثّله جمعٌ من العلماء، من قبيل السيّد عبد الله الشيرازي والسيّد الخوئي والسيّد شهاب الدين المرعشي النجفي(رحمهما الله)، وذلك من خلال الاستفتاءات التي تضمنت بعض الآراء لعلي شريعتي (تلك الآراء المقتبسة من كتب علي شريعتي) حيث تضمنت الاجاب على (حكم عدم جواز بيع وشراء الكتب التي تشتمل على تلك الآراء لأنها كتب ضلال وعدم الممانعة على الاطلاع لأصحاب العقيدة الثابتة.

الفريق الثانيوهو الفريق الذي كان مقبولاً في الساحة الإيرانيّة على مستوى الشباب، ولم يؤمن بالدخول في صراع عنيف مع شريعتي، حيث رأى أنّ الطريقة المثلى هي مجابهة أفكاره ونقدها بروح علميّة. ويقف على رأس هؤلاء الشهيد الشيخ مرتضى المطهّري " الذي قد تفاوت رأيه بشريعتي بين زمان وآخر" والسيّد محمّد حسين الطباطبائي. إضافةً إلى السيّد الخميني الذي اختلف موقفه عن موقف العلماء المصعّدين، وإن كان من نمط فكريٍّ مباينٍ لشريعتي.
وفي رسالة للسيد الطباطبائي الى الشهيد مطهري " إنّ رأيي الذي أبديه يتعلّق بعدم صحّة المطالب الواردة لا بشيء آخر.... إنّ كثيراً من كتاباته لا تنسجم‏ مع مباني وأصول المعارف الإسلاميّة... وفي الوقت نفسه فإنّها رائجة بين مختلف الطبقات رواجاً كبيراً، ولهذا ينبغي التركيز على عدم تلقّيها جميعاً على نحو الصحّة، وعلى ذوي الأهليّة أن يقوموا (بنقدها العلمي وبالمنطق)".
واما الشهيد محمد باقر الصدر فكان رايه أنه يجب معالجة الموضوع بهدوء وبمنطق علمي وحواري حيث قال لضيف قدم من طهران" إنّ الدكتور شريعتي يمتلك قدرة بيانيّة عالية، ويستعمل مفردات وأمثلة حديثة ومن واقع المجتمع، يفهمها الناس ويتفاعلون معها وخاصّة الشباب. بينما الفريق الذي تصدّى لشريعتي من العلماء يستعملون مفردات قديمة وزمانها غير هذا الزمان وأمثلتهم بعيدة عن الواقع المعاش، لهذا يكون التجاوب معهم ضعيفاً حتّى لو كانوا على حق، فهذه اللغة تعتبر غريبة أو غير جذّابة للشباب..
إنّ طالب العلم في الحوزة يقرأ كتباً ألّفت قبل فترات زمنيّة بعيدة عن زماننا بعضها قبل مئات السنين، لهذا فأمثلتها ومفرداتها قديمة وبعيدة عن فهم وجذب الشباب الذي عادةً يتطلّعُ إلى الحديث والجديد، لهذا يكون تأثيركم على جيل الشباب ضعيفاً، في حين الدكتور شريعتي يستعمل اللغة الحديثة والجذّابة بالإضافة إلى قدرته الفكريّة. فكيف تدخلون في صراع نتيجته خاسرة مسبقاً » وعند اجابته على سؤال السيد محمد الحيدري عن فهم شريعتي للإسلام هل هو صحيح أجاب السيد الصدر " « هناك أخطاء في أفكار شريعتي وبعضها واضح، ولكن ليس من الصحيح الدخول في صراع معه" كتاب محمّد باقر الصدر.. السيرة والمسيرة في حقائق ووثائق، ج3.
وكانت هناك ملاحظات في ثلاث نقاط لشريعتي خاصة بالشهيد الصدر تحت عنوان "نقد نظريّة الإمامة عند الشهيد محمّد باقر الصدر" وارسلها شريعتي الى مترجم كتاب الشهيد الصدر "بحث حول الولاية"  الشيخ حجّتي الكرماني وعند وصولها للشهيد الصدر أجاب عنها وكان الجواب محررا بخط الشيخ النعماني ثم ارسل للسيد الافكاري والسيد كاظم الحائري والسيد مرتضى العسكري ليطلعوا عليها ثم ترسل الى الشيخ حجتي الكرماني ليترجمها للفارسية ولكن كان رد طلابه بعدم صلاح هذه الخطوة أي نشر رد الشهيد الصدر على ملاحظات شريعتي، لأنّ ذلك يعطي حجماً كبيراً لشريعتي!.

وهناك نقاط يجب مراعاتها لمن يريد تقديم النقد لأي موضوع وهو الدخول في بحث استدلالي يخاطب العقل والمنطق، مراعاة الادب الإسلامي والأخلاق الإسلامية في الرد والمخاطبة بالموعظة والحكمة وبالتي هي حسن، تجنب شخصنه أي موضوع واهانه الشخصيات.

المؤيدون ماذا قالوا:
- حاول ان يقدم حلول وشرح للمشاكل التي كان يعاني منها المجتمع بسبب المبادئ الإسلامية التقليدية الموجودة آنذاك.
- شريعتي كان عارفا بأسئلة الجيل الشاب واحتياجاته لذا حرِص على طرح ما يتوصّل إليه على الجمهور للتباحث والتداول فيه، فاتحا باب النقد في ذلك كله.
- وضح شريعتي مقوله الدين المضلل. الدين الحاكم الذي يتشارك السلطة مع رجال المال والقوة، وقد حاول تعريته وتثقيف الناس حولهم وهو ما جاء في خطابه في كتاب النباهة والاستحمار.
- بخصوص الدولة الصفوية فان شريعتي عرى هذا الجانب للدولة الصفوية وهو "التشيع المبتدع" التي دأبت على بث الفرقة واضفاء الطابع المذهبي والقومي والتركيز على نقاط الاختلاف المذهبي واهمال النقاط المشتركة التي كانت ستساعد المسلمين وتقوي موقفهم ضد الغرب وتجعل من التقارب بين الدولة الصفوية والدولة العثمانية أساس يسار عليه.
- عرى التسنّن الأموي الذي يضفي الشرعية على السلاطين والحكام والتبرع بالأحكام والفتاوى الجاهزة لتتناغم التوجه الرسمي للحكومات.
- ان شريعتي بين التشيّع العلوي "الأصيل" الذي هو حركة ثورية تمارس الجهاد فكراً وأسلوباً في مواجهة الأنظمة ذات الطابع الاستبدادي والطبقي كما كان أبى ذر مثلاً. وهو تشيّع يتبنى إقامة العدل ورعاية حقوق الجماهير المستضعفة سيراً على خطى ونهج الإمام علي (ع).
- بين شريعتي الخرافات والخزعبلات التي يتبناها التشيع الصفوي وعلمائه وكيف أثر ذلك على تلك الفترة لتمتد الى فترتنا الحالية وبين علماء التشيع العلوي باستخدامهم المنطق العلمي الأسلوب الاستدلالي المتين وأراءهم المتفتحة من حماية القيم الحضارية والعقائدية للتشيع العلوي ومثل هؤلاء العلماء (الشيخ محسن الأمين العاملي، السيد شرف الدين، الشيخ كاشف الغطاء، الشيخ محمد جواد مغنية، الخ)
- سعيه لتجديد منهج فهم الإسلام الأصيل على المستوى الاجتماعي والسياسي، وهو سعي يحتم البدء بمراجعة الذات وتنقية التراث والوقوف في صلب معركة المواجهة ضد الاستعمار والاستبداد والاستغفال الديني والمذهبي.

المخالفون المعتدلين والمحافظين ماذا انتقدا وقالوا:
- موقفة ونقذه اللاذع للدولة الصفوية وتقديمه سيلا من الاتهامات والعيوب والاخطاء واتهامه لها بانها حرفت التشيع من مصدره الأصيل الى مسار الغلو والخرافة والانحراف عن خط الإسلام وخط التشيع العلوي.
- قضية تكذيبه لزواج الامام الحسين ببنت يزدجر وادعائه انها قضية مختلقه لتوظيف القومية جاء بها العلامة المجلسي كما جاء في كتاب الشيع العلوي والتشيع الصفوي، " علما أن الحادثة مذكورة قبل وفاة العلامة المجلسي (1037 – 1111 هجري) بمئات السنين ففي تاريخ اليعقوبي المتوفي سنة 284 هجرية ذكر ذلك وكذلك في كتاب الكافي للكليني المتوفي سنة 329 ذكر ذلك وفي كتب المخالفين ذكر ذلك الذهبي في سير اعلام النبلاء 4/386 .
-مسألة الخاتمية: وهو ذكره في كتاب (معرفة الإسلام) أن حاجة الإنسان للتوجيهات الماورائية المباشرة، لبلوغه مرتبة دينية وتربوية كافية، يستطيع من خلالها مواصلة حياته اعتمادا على نفسه، ودون الحاجة إلى "نبوة جديدة"، "علما بأن الشهيد بهشتي وضح مقصود شريعتي من ذلك وانه تم اساءه فهمه".
- ومسألة الخلافة والامامة ومسالة البيت النبوي وموضوع التربة الحسينية وخصائصها وكيف قلل من قيمتها.
- وصف انه متأثر بالفكر الماركسي والتحليل الماركسي للدين ومن ضمن الذين يرون ذلك (الشهيد محمد باقر الصدر، الشهيد مطهري، الدكتور عبدالجبار الرفاعي واخرين) " ملاحظة جميع المذكورين قالوا عن شريعتي انه مؤمن وفاهم ولكن لديه اشتباهات".
- نقذه اللاذع للعلامة المجلسي (رحمه الله) (1037 – 1111 هجري) وتشبيهه انه رمز التشيع الصفوي.

نقاط حول الموضوع:
أولا: يتبين من خلال اخذ فكر شريعتي ان له تركيبة سيكولوجية خاصة وله حس مرهف سريع التأثر حتى ان بهشتي قال عنه " في الدرجة الأولى شريعتي شاعر ثم انه باحث"، وأنه واجة وضع خاص وبيئة خاصة فعند بدا مشروعة الفكري والثقافي قامت القيامة ضده وواجهته عاصفة انتقادات وتشويه من قبل خصومة من على المنابر حيث كانوا يبصقون على كتابه "التعرف على الإسلام" وكانوا يصفون الحسينية التي يخطب ويدرس فيها بيزيدية الاضلال.
ثانيا: أراد شريعتي أن يضع خصومة في زاوية حرجة وأن يضرب عصفورين بحجر واحد ولأجل هذا جاء خطابة وكتابه التشيع العلوي والتشيع الصفوي فأراد ان يوصل ان الخصوم الذين يواجهونه هم مرتبطون بالسلطة أنداك وانه نجح في توجيه ضربه للخصوم ونظام الشاه في ان واحد لهذا جاء هذا الكتاب في هذه الأجواء، وأراد من خلال خطاباته ونقده ان يشجع الحوزة على إعادة النظر في بعض الأمور وان يأخذ الفقه والحوزة مكانتهما من حياة المجتمع والمواجهة من الظلم.
ثالثا: شريعتي كان ينظر للقضايا من ناحية "علم الاجتماع" وليس من الناحية الفقهية والحديثية، لذا كانت غالبية قضاياه مثل (قضية صلاة أبي بكر وطبيعة موقف النبي (ص) منها) وحيث اختار النظرية الثالثة من التي ذكرهم وذلك لأنها تنطوي على أهمية فائقة من وجهة "النظر الاجتماعية" وان هدف النبي (ص) من صلاة الجماعة هو ان تحفظ بتلك الهيئة وذاك الشكل. وكذلك كان يرى ان الحكم العثماني هو كالحكم الصفوي (1501 – 1722) ولكن هو يرى ان الحكم العثماني انه وقف وكان ضد الاستعمار والغزو والمد الغربي وأنها فضيلة تحسب للعثمانيين.
رابعاً: شريعتي كان يتحرك بمنظور أدلجة الدين بمعنى أظهر بعض الأمور وغيب بعض الأمور وذلك لغاية معينة وهي تفجير الوضع الثوري في ايران وبناء ايدلوجية ثورية حركية لأحداث الثورة غير ان هناك خلل في منهجية شريعتي منها: 1- خلل واضح في المنهجية من حيث انه زج بنفسه في علوم لم تكن من اختصاصه، مثل علم الملل والنحل " الحديث عن التشيع الصفوي" وعلم الكلام "الحديث عن القضايا العقائدية" والزوايا التاريخية وهي ليست من اختصاص شريعتي لذلك ارتكب أخطاء في هذه المجالات وهذا شيء طبيعي لحدوث بعض الأخطاء البسيطة، مثلا انه ادعى ان في العهد الصفوي "استحدث منصب وزاري جديد باسم (وزير الشعائر الحسينية)، وقد قام هذا الوزير بجلب هدايا الغرب "الطقوس الشعائرية" لإيران" والتاريخ أصلا لم يتحدث عن وجود هذه الوزارة وبخصوص الشعائر وانها كانت دخيله فالشهيد مطهري ذكر "ان التطبير والطبل عادات ومراسيم جاءتنا من ارثودوكس القفقاز وسرت في مجتمعنا كالنار في الهشيم" كما جاء في كتاب الجذب والدفع في شخصية الإمام علي (ع) ص 165.
خامساً: أن شريعتي لم يعتمد على المصادر التاريخية بمعنى انه اخذ إشارة من هنا واشارة من هناك وصاغ هذا الواقع وإذا قرات كتاب التشيع العلوي والتشيع الصفوي لم تجد مصدر اعتمد عليه شريعتي وذلك ربما راجع لأنه قدم خطاب وليس كتاب، وبسبب تلك الأخطاء خاصة في التاريخ أصبحت كتاباته اشبه ما يكون للروايات العالمية واما في الناحية الأدبية فهي في القمة وقد حققت الغرض الذي أراده شريعتي من وراء كتابه.
سادساً: ليس هناك تشيعين في تاريخ الشيعة، فلا يمكن ان توضع بعض الاسقاطات والهفوات من بعض العلماء لرسم صورة من تاريخ ممتد للشيعة، صحيح هناك تيار تقليدي شيعي اطرته الظروف لذلك ولكن هل الصمت يصوغ لنا وصف العلماء بالصفوية؟ هذا تاريخ الائمة فحتى الامام الحسين كان صامت بهذا المنطق امام معاوية لمدة 15 سنة، فالثورة تكون حسب موازين معينة وهذا ما كان عليه اغلب الائمة على مر التاريخ وكذلك الفقهاء لم يرضخوا للحكام على مر التاريخ فمثل ما قال الشهيد الصدر في كتابه "اهل البيت تعدد أدوار ووحده هدف".
سابعاً: صحيح ان السلطة الصفوية أعطت الفرصة للعلماء مثل العلامة المجلسي وان هؤلاء العلماء استغلوا الفرصة بخير وقدموا خدمات للتشيع حيث كان في العهد الصفوي أكبر الاعمال العلمية أنجزت ولكن لا يغلب منطق المصلحة على منطق موقف التكليف الشرعي للعلماء فالدولة الصفوية تحمل العنوان الشيعي صحيح ولكن لم تكن دولة شيعية بالمعنى الصحيح للدولة بل ان الدولة الصفوية لها منهج خاص ورؤية سياسية خاصة بها.

وفي الختام انقل قصة طريفة نقلها السيد محمود دعائي : سفير ايران في العراق بعد انتصار الثورة:
صعد أحد خطباء مدينة مشهد، وأخذ يذكر الدكتور شريعتي بسوء، وأهم سيئة ركز عليها هذا الخطيب انه قال حرفياً: ألا تعلمون أيها السادة ان شريعتي من مقلدي الخميني؟ فكيف تستمعون له؟ وعندها وصل الخبر للدكتور شريعتي فقال: انظروا الى حماقة ما يسمى بالخطيب، انه بدل ان يذمني أثنى عليّ بأحسن الثناء، ولو أني منحت أحداً مليون توماناً – جزاء ان يصرح على الأشهاد ن بأن شريعتي يقلد الخميني، لما فعل ذلك ويضيف شريعتي: انه فخر لي واعتزاز أن أكون مقلداً له، وكيف يمكنني أن اتخذ غيره مرجعا لي؟ هل باستطاعتنا أن نكون لهُ مقلدين وهل لنا الأحقية في ان نطلق هذا اللقب ((خمينيون)) على أنفسنا. 


الأربعاء، 25 يوليو 2018

العلمانية ... في أثنى عشر نقطة


العلمانية ... في أثنى عشر نقطة

بقلم أبومحمد 25 يوليو 2018

مصطلح العلمانية مصطلح بدء في الظهور في البلاد العربية بعد سقوط الدولة العثمانية وانتهاء نظام الخلافة وقدوم الاستعمار الأجنبي وعن طريق الدارسين في الغرب المتأثرين بالثقافة الغربية وترجع جذورها الى القرن الخامس عشر وحركة الإصلاح التي نادى بها الألماني مارتن لوثر (1483 – 1546) حيث قدم رسالة من 95 نقطة إصلاحية للكنيسة الكاثوليكية تتركز خاصة في مسائل السيطرة الدينية والفساد المالي وتحريف الكنيسة لما جاء في الاناجيل الأربعة ومنها انبثقت الديانة البروتستانتية وبعدها جاء الكثيرون من الإصلاحيين الذين نادوا بإصلاح وتقليص سيطرة الكنيسة وتم تدعيم هذا التوجه دينيا بما جاء في الانجيل " أعطوا اذا ما لقيصر لقيصر، وما لله لله" وبعدها جاءت الثورة الفرنسية (1789 - 1799) والتي طالبت بإلغاء امتيازات وسيطرة الكنيسة والنبلاء ومنها جاءت المطالبة بفصل المؤسسة الدينية عن نظام الحكم بشكل كامل هذه صورة موجزة للجذور التاريخية ويمكن الحديث عن العلمانية في عده نقاط كما يلي:

أولا: اختلاف تعريف العلمانية: هناك اختلاف معجمي ومفهومي لمصطلح العلمانية فالمعجمي هناك العلمانية بكسر العين وتعني العلم او العلمانية بفتح العين وتعني العالم، وأول من نحت وصاغ مصطلح "العلمانية" عام 1851 جورج هوليوك (1906- 1817) واراد بها "حركة اجتماعية تتجه نحو الاهتمام بالشؤون الأرضية بدلا من الاهتمام بالشئون الآخروية". كتاب موسوعة الرد على المذاهب الفكرية المعاصرة، ج 12: ص207، إذا تعريف "فصل الدين عن الدولة" حسب هوليوك مرجعيتة التاريخية تعود الى أوروبا في القرن الــ19 ميلادي.
وهنا ندرج تعاريف مصطلح العلمانية للمؤيدين والمعارضين:
المؤيدون
محمد أركون "العلمنة كما نفهمها تتركز في مجابهة السلطات الدينية التي تخنق حرية التفكير في الإنسان ووسائل تحقيق هذه الحرية" كتاب تاريخية الفكر العربي الاسلامي، ص 294
عزيز عظمه " هي جملة من التحولات التاريخية السياسية والاجتماعية والثقافية والفكرية والأيديولوجية، وأنها تندرج في أطر أوسع من تضاد الدين والدنيا" كتاب العلمانية من منظور مختلف، كتاب في جريدة، عدد121.
المعارضين:
محمد عمارة " هي عزل السماء عن الأرض، وتحرير العالم والانسان والاجتماع الإنساني من التدبير الإلهي ومن حاكمية السماء، بدعوى ان العالم مكتف بذاته وان الانسان هو سيد هذا الكون، يدير حياته بالعقل والتجربة دونما حاجة الى رعاية" كتاب الشريعة الإسلامية والعلمانية الغربية، ص7.
عبدالوهاب المسيري قسمها الى "علمانية جزئية وشاملة" (العلمانية الجزئية) هي:" هي رؤية جزئية للواقع (إجرائية) لا تتعامل مع ابعاده الكلية والنهائية (المعرفية) ومن ثم لا تتسم بالشمول، وتذهب هذه الرؤية الى وجوب فصل الدين عن عالم السياسة وربما الاقتصاد وهو ما يعبر عنه (فصل الدين عن الدولة" (العلمانية الشاملة) هي: "رؤية شاملة للعالم ذات بعد معرفي (كلي ونهائي) تحاول بصرامة تحديد علاقة الدين والمطلقات والميتافيزيقية بكل مجالات الحياة، وهي رؤية مادية، تدور في اطار المرجعية الكامنة والواحدية المادية، التي ترى ان مركز الكون كامن فيه، غير مفارق او متجاوز له، وان العالم باسره مكون أساسا من مادة واحده ليست لها أي قداسة ولا تحوي ايه اسرار"  كتاب العلمانية الجزئية والعلمانية الشاملة.

إذا هناك اختلاف على المستوى المعجمي والفهمي لمصطلح العلمانية في العالم العربي والاسلامي لأنها لم تنبع من واقعهم التاريخي والاجتماعي وانما جاء بها الاستعمار الغربي، وحتى في الغرب هناك اختلاف في المصطلح فمنهم من يذهب انه العلم واخر انه الرجوع الى الجماهير والغالبية فصل الدين عن الدولة ويتغير التعريف تبعا للتشكيل الحضاري فهناك الفرنسي (الكاثوليكي) الروسي (الأرثوذكسي) الإنجليزي والألماني (البروتستانتي) حيث عُر ف المصطلح انطلاقا من التشكيل الحضاري لكل تجربة.

ثانيا: مبادئ العدالة والمساواة في العلمانية: الغرب عاش ارهاصات كبيرة وحروب وازهاق لملايين الدماء لكي يصل لهذه (المبادئ) فمند القرن الــ5 الى الــ15 ميلادي الحروب الدينية في القرون الوسطى ومحاكم التفتيش الكنيسية الى حروب الثلاثين عام ( 16181648  ) بين الكاثوليك والبروتستانت والتي راح ضحيتها 40% من شعوب اروبا ونصف ألمانيا وراح ضحيتها ملايين من البشر كلها باسم المسيح وصولا الى الحروب الصليبية  أواخر القرن الـــ11 حتى الثلث الأخير من القرن الـــ13  )1096 - 1291(، العلمانية جاءت بعد حروب وصراعات وثورات عبر العقل لتقول ان (العدالة والقوانين تصون الحقوق) وهذا الذي انتهى له "العقل الغربي" بعد تجارب وحروب؛ وهنا يطرح تساءل وهو أليس الإسلام ذكره مند البداية قبل 1400 عام (الله الله في نظم امركم؛ ان الله يأمر بالعدل والإحسان ) اذاً العقل البشري اخر ما وصل له هو  اول ما وصلت له الأديان السماوية أليس كذلك؟

ثالثا: العلمانية ثابته او متغيرة ومتطورة: في البداية وفي مراحل العلمانية الأولى كانت منحصرة فنياً في السياسة والاقتصاد وكانت بقية المجالات محكومة بالقيم المسيحية وهذه هي العلمانية الجزئية المرتبطة بالمراحل الأولى لتطور العلمانية الغربية، ولكنها بمرور الزمن ومِن خلال تحقق المتتالية للنموذج العلماني تراجعت وهمشت؛ إذ تَصاعدت معدلات العلمنة كالأخطبوط في بقية المفاصل الأخرى، بحيث تَجاوزت مجالات الاقتصاد والسياسة والأيديولوجيا، وأصبحت العلمنة ظاهرة اجتماعية كاسحة، يتجاوز عملية فصل الدين عن الدولة، وعملية التنظيم الاجتماعي، فلم يعد هناك شيء عام مستقل عن الشي الخاص، فالدولة العلمانية والمؤسسات التربوية والترفيهية والإعلامية وصلت إلى وِجدان الإنسان ووجهت سلوكه وعلاقاته بأعضاء اسرته ومجتمعه وقضت على ما تبقى من اعراف مسيحية، ولهذا العلمانية نظام غير ثابت لذلك هي عرضه لهزات وعواصف.

رابعاً: العلمانية المتتالية: كما ذكرنا العلمانية غير ثابته بل متطورة من خلال التاريخ وتتحول من الجزئية الى الشاملة كما عبر عنها المفكر  د. عبدالوهاب المسيري، في كل مناحي الحياة مثلما تطورت بعض الدول من فاشية ونازية الى امبريالية، فطبيعة تركيبة الانسان في هذه الدول مادي بحت فحتى الدول المعتدلة مثل (النرويج) مثلا وهي ملكية دستورية يعتبر دستورها من اقدم الدساتير ويعود للقرن الــ18 عشر ميلادي ويعتبر من افضل الدساتير الليبرالية حتى العام 2012 وبفضل التطور في العلمانية جاءت المطالبة بفصل الدين عن الدولة بشكل كلي  وتغيير المادة رقم (2) في دستوره والتي تعلن ان دين الدولة مسيحي بروتستانتي وبفعل تغلل العلمانية في كل مفاصل الحياة اقترحت الحكومة النرويجية في هذا العام 2018 حظر ارتداء النقاب والبرقع في مؤسسات التعليم وحتى رئيسة وزرائهم "إيرنا سولبيرغ" في تصريحات لقنوات محلية بخصوص رسوم مجلة "شارلي ايبدو" الفرنسية عن النبي محمد (ص) ذكرت انها حرية تعبير  لتضرب بكل  المثل الليبرالية للمتشدقين بها، وكذلك جارتها (السويد) وهي ملكية دستورية والتي أيضا انحنت نفس المنحى وغيرت مواد الدستور لفصل الدين عن الدولة العام 2000 هناك مطالبات برلمانية بحظر ارتداء النقاب والحجاب في الأماكن العامة واخرها منع توفير الطعام الحلال في المدارس التعليمية وربما يعود التأخر في المتتالية العلمانية في (النرويج، السويد) لأنها دول بروتستانتية إصلاحية مسيحية ودينية وأيضا لتواجد أحزاب دينية كبيرة مسيحية والتي تعلن ان احد أهدافها مكافحة العلمانية في مفاصل الحياة وتقديم المعيار الأخلاقي أولا، وبالمناسبة هناك حملة أوربية على المظاهر الدينية مثل ارتداء النقاب او البرقع او الحجاب او الرموز الدينية شملت (هولندا،ألمانيا، بلجيكا، سويسرا، الخ) وهناك غرامات مالية كما في سويسرا تصل الى 10 ألالاف يورو وأيضا محكمة العدل الأوربية اقرت قرار بحظر النقاب او البرقع في أماكن العمل في سنة 2017م.
وحتى الدول العربية لها نصيب كذلك باعتبارها مستعمرات غربية سابقة ولهيمنة القرار الغربي عليها مثلا هناك مطالبات برلمانية مغربية للسير على خطى المستعمر الفرنسي بمنع الحجاب وكذلك في تونس قامت بمنع صوت الاذان في صلاة التراويح في هذا العام 2018 وكانت تونس أيام الرئيس بورقيبة علمانية شاملة حيث منع تعدد الزوجات ومنع العاملين من الصيام نهار رمضان بحجة تقليل الإنتاجية ومنع الحجاب وكلها لم تتغير الا بعد ثورة تونس في 2011 ونحن نتحدث عن اقل من قرن من وصول مصطلح العلمانية الى الدول العربية والإسلامية!

خامساً: فصل الدين عن الدولة: غالبية الدول العربية هناك فصل للدين عن السياسة، هناك تمايز مؤسسي مند عهد الإسلام الأول، فالنبي استشار أصحابه في أمور الحرب كما اخذ برأي سلمان المحمدي في حفر الخندق فثم تمايز بين المؤسسة الدينية وبين والمؤسسة العسكرية، لذا من الممكن أن تلتقي العلمانية الجزئية مع رأي التمايز في الآليات والإجراءات الفنية فقط في مثل المؤسسات العسكرية والاقتصادية والدينية.

سادساً: دولة الانسان: العلمانيون يدعون إلى دولة تجعل الميزان للإنسان لا للدين ولا فرق في اللون او العرق او المذهب الخ، كل هذا الذي تدعو إليه الدولة العلمانية، أو تدعو إليه لائحة حقوق الإنسان، أليس القرآن والنبي والامام علي (ع) دعوا الى ذلك وطبق على الأرض. مثلما جاء في القرآن ﴿وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا﴾، ومثل عهد الامام علي (ع) الى مالك الاشتر فيقول له: ”وأشعر قلبكَ الرحمةَ للرعية، والرفق بهم، واللطف إليهم، ولا تكونن عليهم سبعًا ضاريًا يغتنم أُكُلَهم؛ فإن الناس صنفان: إما أخٌ لك في الدين، أو نظيرٌ لك في الخلق“، فالناس في الإسلام متساويين لهم حقوق متساوية حتى مع الذي يختلف معه في الدين، وقد وضع كلام الامام علي في لائحة الأمم المتحدة وهو أكبر دلاله على الدعوة للمساواة من العهد الأول للإسلام.

سابعاً: التمركز حول الانثى: في الغرب العلماني تروج لحركات تحرير المرأة سياسيا (انتخاب، ترشيح) واجتماعيا (حق الطلاق، حضانة الطفال) او اقتصاديا (مساواة بين الرجل والمرأة) وتتحرك حركات تحرير المرأة داخل اطار  الاسرة ومفهومها باعتبار ان الام هو عمودها الفقري، وتقوم الالة الإعلامية في الغرب العلماني بتحويل المرأة كجسد واثارة وليس كمنشئة اسرة ومخرجة أجيال وبناء مجتمع! وهناك محرك اعلامي سخر لمثل ذلك مثل هوليوود الذي ينتج أفلام عن اغواء النساء للرجال وإظهار ان المرأة هي جسد أولا واخيراً و هناك صناعة الأزياء ومساحيق التجميل التي اصبحت لها قنوات ومجالات ونجوم  منهم شواذ جنسيا وهذه الصناعات تتفنن في طمس الهوية الإنسانية والاجتماعية للمرأة وتتركز على اظهار مفاتن جسدها لتحولها الى سوق ومادة، ومنها أيضا صناعة الإعلانات التي تستخدم المرأة كجسد لتصعيد الرغبة الاستهلاكية للرجل ليصبح المجتمع متابع لأخبار الفنانات والراقصات ولتكون اهم العناوين في الصحف وكل ذلك لإعادة انتاج صورة المرأة باعتبارها جسد مادي وتجاري واقتصادي بحت ونزع القداسة الإنسانية والخصوصية للمرأة.

فمثلا في الغرب الديمقراطي العلماني في بلد كإيطاليا نجحت ممثلة اباحية بالفوز بمقعد انتخابي في 1987 وبعد ذلك تنظم لحزب الايطاليين الرادكاليين، وفي أمريكا عام 2003 رشحت ممثلة أفلام اباحية نفسها للفوز بمنصب حاكم كاليفورنيا وفي عام 2009 رشحت أخرى نفسها للفوز بمقعد مجلس الشيوخ عن ولاية لوزيانا وذلك أعلنت نفسها مرشحة جمهورية عام 2010، وفي روسيا عام 2017 أعلنت ممثلة اباحية ترشحها ضد بوتين ومن أحد اهم بنود برنامجها الانتخابي (محاربة التحرش)!، وفي فرنسا عام 2014 اعلن حزب الجبهة الوطنية ترشيح ممثلة بورنو  في لوائحها، الخ من الدول وانتقلت هذه الظاهرة للبلدان العربية العلمانية ففي مصر  أعلنت راقصة (سما المصري) عن ترشيح نفسها وفي لبنان أعلنت عارضة أزياء (مريام كلينك) ترشيح نفسها.

ثامناً: العلمانية المادية: في العلمانية يتم التركيز على المادة كأساس للتعامل بين أفراد المجتمع وبين افراد الاسرة لتصبح نظرة المجتمع نظرة مادية أولية في كل شيء بعيدا عن القيم الخلقية والدينية ففي مثلا الولايات المتحدة الأمريكية والتي فيها من الكنائس والإيمان الكثير رأينا جميعا كيف كان التعامل مع الرئيس كلينتون بخصوص فضيحة مونيكا لوينسكي وحيث كانت معدلات الرخاء الاقتصادي عالية جداً لم يكترث الشعب الأمريكي بما فعله الرئيس وبقت ظاهرة إعلامية وانتصر الاقتصاد على الجميع فقد حاول الحزب الجمهوري توظيف تلك الفضيحة لطرد الرئيس كلينتون ولكن لم يفلحوا!، الدول الغربية بنت منهجها على منهج مادي بحت على منهج "الذكي والغبي" و"الضعيف والقوي" لا قيم اخلاقية تحكمهم.

تاسعا: ارتباط العلمانية بالإمبريالية: تطور الدول الغربية العلمانية عبر التاريخ لتصل لدول أكثر شراسة مثل ما حدث في الحرب العالمية الأولى (1914 - 1918) بين الدول الأوربية لتصل خسائرها لأكثر من الحروب الدينية في اوروبا حيث قدرت الخسائر بأكثر من 9 مليون قتيل وما حدث بعد ذلك في الحرب العالمية الثانية (1939 – 1945) والتي أدت لوقوع الخسائر الأكثر في التاريخ فقد قدرت الخسائر البشرية بين 50 -80 مليون قتيل.
الدول العلمانية لديها ارتباط وثيق بالإمبريالية والتوسعية والسيطرة كما كان في روسيا القيصر  (الدولة العثمانية، بولندا، السويد) الولايات المتحدة الامريكية ( أمريكا اللاتينية، الفلبين) ولم يتوقف قطار العنف الإمبريالي (العلماني) سواء في فيتنام أو البوسنة أو الشيشان أو أفغانستان أو العراق أو سوريا الخ فحتى النازية التي جاء منها هلتر بطريقة ديمقراطية، عمليات الإبادة كانت تحت غطاء وموافقة غالبية الشعب الالماني مثلها مثل الدول الامبريالية الغربية جاءت عن طريق ديمقراطي وهذا لا يختلف مع الدول العلمانية الأخرى المعتدلة مثل الولايات المتحدة الامريكية عندما وضعت الالاف من الأمريكيين من اصل ياباني تحت الحجز الأمني والاعتقال كإجراء أمني احتياطي في الحرب العالمية الثانية وأيضا تم ذلك تحت غطاء وموافقة الشعب الامريكي، ويعرف كل المنادين بالعلمانية والذين يشيدون بالثورة الفرنسية انها هي من أرسلت قواتها الاستعمارية لغزونا مثل ما ارسل نابليون جيوش لغز مصر  (1798 - 1801م( وغيرها ، ثم جاءت مرحلة الاستقلال والتي لم تتغير فيها الشيء الكثير اذ جاءت نخب علمانية أراد المستعمرين منها ان تصنع دول استبدادية فاسدة تقوم باستغلال شعوبها تحت تأييد الدول العلمانية الديمقراطية والسؤال هنا هل علينا القبول كشعوب ونكون مثل شعب المانيا النازية وما حصل من قبول بالإبادة وامريكا وما حصل من عنصرية ضد ذوي الأصول اليابانية وغيرها لأنها جاءت بأليات ديمقراطية سليمة ولمصلحة الدولة العليا او يجب ان نحكم المعيار الأخلاقي لرفض هذه القرارات الديمقراطية؟.

عاشراً: تناقض العلمانية: ارتباط العلمانية بالتسامح واتساع الأفق والتعددية وقبول الاخر والايمان بالعلم ليس ضروريا فيمكن ارتباطها باي نظام اخر، فمثلا مقياس صناديق الاقتراع فلو فاز به الإسلاميين لقالوا  هو نظام دكتاتوري شمولي ففي (تركيا) العلمانية المعتدلة مثلا الدولة التي تتبنى العلمانية رؤية للكون ومنهجا للتعامل فبعد فوز الإسلاميين في سنة 1998 والذين لا يعادون العلمانية "تدخل الجيش" وأقال الرئيس المنتخب الفائز  وزعيم حزب الرفاه نجم الدين أربكان وتم حل حزبه وادخل السجن بتهمة مخالفة المواثيق العلمانية! فأين التشدق بمقياس صناديق الاقتراع! وحتى في الوقت القصير الماضي أصدر الرئيس اردوغان بعد محاولة الانقلاب الفاشلة عام 2016 عدة قوانين تعسفية منها فصل الالاف من الوظائف المختلفة واغلاق مجموعة كبيرة من المحطات والمجلات والصحف بل وعمد واستغل الظرف لتغيير بعض المواد الدستورية لتوسيع صلاحياته منها "الغاء منصب رئيس الوزراء وإعلان حالة الطوارئ وتعيينات القضاء" وهناك امثلة ومنظومات متعددة تبين ما تصل له النظم العلمانية في حال بروزها مثل (فكرة الاقتصاد الحر، الداروينية الاجتماعية، والنيتشوية رجوعا لنيتشه وفكرة الرجل المتفوق وهذا ما فعلته النازية الخ) كلها منظومات علمانية صراعية بعيدة كل البعد عن الاعتدال والتسامح ولا ننسى كيف تعامل الغرب العلماني الديمقراطي مع فوز حكومة "حماس" في الانتخابات الفلسطينية عن 2006 لان المعايير المزدوجة الإمبريالية أساس تسير عليها الدول الغربية.

الحادي عشر: العلمانية الليبرالية: في العلمانية المتتالية في البداية تكون هناك معايير وقوانين للحريات العامة ولكن مع الوقت تتحول هذه الحرية الى حرية فكرية ودينية مطلقة ورفع العديد من القيم الى الصورة المطلقة مثل الحرية والمساواة والقيم الخلقية فماذا لو فرضنا ان جزء من المجتمع روج الى أفكار داعش وغيرها باسم الحرية الفكرية فهل تقبل العلمانية الليبرالية بذلك؟ أو ان جزء من الناس عبدوا الفأر باسم حرية العقيدة أليس ذلك امتهان للكرامة الإنسانية؟ وماذا لو أن الأغلبية وافقت على تطبيق العدالة والمساواة في زواج المثليين مثل ما هو حاصل في (25 دولة غربية علمانية) فهل يؤخذ براي الاغلبية في هذا الجانب؟ وحتى في العلمانية المعتدلة ذات الغالبية الإسلامية كتركيا مثلا لا توجد عقوبة للمثليين ولكنها الى الان لا تعترف به وحسب التتالي المادي ستكون حالها كحال باقي العلمانيات الغربية.

الثاني عشر: الدولة المدنية الدامج بين الإسلامية والعلمانية: الدولة التي تحترم الجميع وتحقق وتقوم على العدل والمساواة والحقوق ويكون دستورها إسلامي وتكون السلطة التنفيذية من اختيار الشعب فهي المرحب بها ويشترط في الدولة المدنية نقطتان اساسيتان (احترام الثوابت الإسلامية والقيم الاجتماعية).
التشريع وهذه نقطة خلاف بين العلمانية والنظام الإسلامي حول أيهما المخول بالتشريع؟ ومن الذي يحدد القانون الثابت والمتغير؟ أي ان هذا القانون محقق للعدالة في زمن النبي فقط او كل الأزمنة، وهل الانسان اصيل اما وكيل؟
تبعا لمبدأ الخلافة الإسلامية المخول هو الله والوكيل هو الانسان مثل ما جاء في القران: ﴿إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً﴾، وقال تعالى: ﴿هُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلَائِفَ فِي الْأَرْضِ﴾، ولان المنظومة الخلقية في الدولة العلمانية مجرد شكل وعنوان وليست الزامية كما في النظام الإسلامي إذا يجب ان تكون المنظومة الخلقية (الزامية) في الدول المدنية لتكون مقبولة وهذا ما ذهب له مشهور فقهائنا والذي يتسالم عليه العقلاء.
أغلب الدول المدنية الحالية شكلية كما أرادها الغرب للسيطرة عليها وللعبث بها، وحين تتحقق الدولة المدنية الحقيقة ولو جزئيا وتكون بعيدة عن الارتهان للغرب وفيها حكم الشعب سنراها تنافس أعظم الدول العلمانية الغربية.


الخميس، 12 يوليو 2018

كتاب دروس في المسيحية - يتكون الكتاب من ٣ فصول هي (تاريخ المسيحية، الكتاب المقدس، عقائد المسيحية الاساسية)


كتاب دروس في المسيحية - يتكون الكتاب من ٣ فصول هي (تاريخ المسيحية، الكتاب المقدس، عقائد المسيحية الاساسية) 
بقلم أبومحمد

12 يوليو 2018


- سأنقل فقط ما يخص الجهة المسيحية لهذه الفصول وساترك الرد عليها إسلاميا والتي ذكرها الكاتب.
- الكاتب الدكتور علي الشيخ (عراقي مسيحي الديانة في الأصل مسلم حاليا) دكتوراه في الفلسفة الإسلامية.

الفصل الأول تاريخ المسيحية
يتحدث هذا الفصل عن قصة مريم والمسيح في الأناجيل (مريم نسبها وولادتها للمسيح)

1.      في إنجيل لوقا هناك رأيين حول نسبها، يعود إلى لاوي ابن يعقوب والثاني نسبها يعود إلى داوود النبي وهو الأكثر اجماع عند المسيحية.
2.      ذكر في الأناجيل ان مريم كانت مخطوبة ليوسف النجار وهي في سن ١٢ سنة وأنها في أثناء خطبتها ظهر لها الملك جبرائيل وبشرها بالمسيح وطلب تسميته بيسوع وتمت ولادتها داخل مغارة تسمى مغارة بيت لحم (بنيت كنسية على المغارة سميت كنيسه المهد في القرن الرابع ميلادي وهي أقدم كنيسه).
3.      بعد ولادتها بالمسيح ذهبت مع يوسف النجار لمصر بعد رؤية يوسف النجار لرؤية في المنام وذلك خوفا على المسيح من قتله من قبل الملك الروماني هيرادوس.
4.      في سن الــ٣٠ تم تعميد المسيح في نهر الأردن بفلسطين عن طريق يحنا المعمداني.
5.      بعد تعميده ذهب للصحراء لكي يجربه أبليس وذكرنا ذلك في الاخوة كارامزوف - المفتش الكبير (عودة السيد المسيح) للكاتب الروسي دوستويفسكي كما جاء في إنجيل لوقا ومتى وبعد هذه الرحلة بدأت بعثته ودعوته لتلاميذه الحواريين الـ١٢.
6.      نهاية المسيح حسب الأناجيل تؤكد انه صلب ومات ودفن ثم قام من الموت بعد اسبوع من دفنه حيث جاءت مريم المجدلية ومريم أخرى وأنه التقى حوارييه ٤٠ يوم ثم صعد إلى السماء لحين العودة الأخرى.

تاريخ الكنيسة بعد المسيح:

1-     بدأت حياة الكنيسة في أورشليم حوالي سنة 30 ميلادي عن طريق حواريي المسيح وذكر ذلك في اسفار العهد الجديد (رسائل بولس، رؤيا يوحنا) وفي يوم (العنصرة) "اليوم الذي حل فيه الروح القدس على الحواريين بعد 50 يوم من رفع المسيح" وأمام الحجاج اليهود المجتمعين للعيد أعلن وطلب بطرس منهم التوبة فاعتمد 3 ألاف شخص وكانت البذرة الأولى لولادة الكنيسة وأن بطرس وبولس هما المؤسسان لكنيسة روما وهو المكان الذي قتلا فيه.
2-     البابا في الكنيسة الكاثوليكية في روما يعتبر خليفة لبطرس.
3-     المسيحية والامبراطورية الرومانية: في البداية عانى المسيحيون كثيرا ثم بعد رسائل الأساقفة في القرن الثاني ميلادي بدا الضغط يخف عليهم ولكن انهالت على المسيحين اتهامات كثيرة منها أنهم (ملحدون، يهددون توازن الدولة، يمارسون الزنا في اجتماعاتهم الليلية، يأكلون لحوم البشر وغيرها).
4-   اعتنق امبراطور القسطنطينية الدين المسيحي في بداية القرن الثالث ميلادي وهو اهم حدث للكنيسية المسيحية وهو ما أدى لانتشار المسيحية في الإمبراطورية الرومانية وجميع انحاء العالم.
5-  أسس امبراطور القسطنطينية الكنيسة الشرقية في بيزنطة بتركيا سنة 330 ميلادي واعتبرت الثانية بعد كنيسة روما من حيث الأهمية.
6-     في سنة 325 ميلادي تم اعتماد يوم (الأحد) عطلة رسمية للمسيحين.
7-     في القرن الرابع ميلادي أصبح للمسيحيين عيدان حسب الكنيسة الشرقية في 6 يناير ميلاد المسيح وحسب الكنيسة الغربية 25 ديسمبر ميلاد المسيح.
8-     بدأت قوة وهيمنة الكنيسة من القرن الخامس الى القرن الخامس عشر ميلادي.

الفصل الثاني: الكتاب المقدس.

1-     هناك كتابين العهد القديم (التوراة): عهد موسى وداود وسليمان 39 سفراً، العهد الجديد (الانجيل) أطلقها النصارى على الاسفار التي دونت بعد نهاية المسيح والاناجيل المعترف بها اربعه (متى، يوحنا، لوقا، مرقس) بالإضافة لأعمال الرسل.

الفصل الثالث: عقائد المسيحية الأساسية.

1-     يعتقدون ان المسيح هو الله المتجسد وعدم الايمان بهذا يؤدي للهلاك وهذه العقيدة لم تكن موجودة في القرن الأول ميلادي وبدأت ظواهرها في القرن الثاني واشتدت في القرن الرابع حيث تم تصويب عقيدة التثليث وألوهية المسيح والأدلة على ذلك ما جاء في (العهد الجديد، ميلاده الاعجازي بدون اب، صفاته، معاجزة، غفران الخطايا، موجود في كل مكان، العلم الكلي، السرمدية انه موجود قبل ولادته وبعده الخ).
2-     التثليث: يعتقدون بان الاله واحد له ثلاثة اقانيم ( الاب "الله"، الابن "المسيح"، الروح القدس "وهو جوهر الاختلاف بين الأرثوذكس والكاثوليك") وتم اعتماد هذه العقيدة في اجتماع مجمع نيقيه عام 325 وتكامل القانون رسميا في القرن الخامس عام 451 ميلادي في مجمع خلقيدونية المسكوني ويكفر ويقتل من يناقش فيه، علما بان الفرقة المسيحية شهود يهوه يرفضون هذه العقيدة لعدم ذكرها بشكل صريح في الكتاب المقدس.
3-    المعاد في المسيحية: تؤمن المسيحية بالمعاد وان الثواب والعقاب يشمل الروح والجسد في الحياة الاخرة الأبدية وان الناس يكونون في يوم القيامة كالملائكة لا جسم لهم والمعاد روحاني وليس جسماني.
4-     الفداء: يعتقد المسيحيون بالفداء وهي تقديم المسيح روحه لخلاص البشرية منذ بدا الخليقة أي مند الخطيئة الأولى لآدم وحواء والتي قطعت العلاقة مع الله فأرسل الله ابنه المسيح ليفدي البشرية كلها عن خطاياهم ويفتح عهدا جديدا مع الله.
5-     ليلة القبض على المسيح: ذكر في الاناجيل خيانة يهوذا الاسخريوطي وهو أحد التلاميذ الـ12 للمسيح حيث سلم المسيح للكهنة.
6-     أسرار الكنيسة السبعة: 1- التعميد: يتم بالماء ثم دهن الراس بالزيت "محو خطايا الانسان وكل ما ارتكبه" الكاثوليك والأرثدوكس في الطفولة، البروتستانت عند سن التكليف، والبعض عند الموت 2- التثبيت: تقوية الايمان عبر المسح باليد 3 – العشاء الرباني: صلاة الشكر ويرمز لعشاء المسيح الأخير 4- التوبة: عبر الإقرار والاعتراف امام الكاهن 5- سر مسحة المرضى: يمسح الكاهن على المريض ليشفى 6- سر الكهنوت: منح البركة من قبل الرتبة الأعلى في الكنيسة وتسليمه الخدمة 7- الزواج: بقول كلاهما نعم.

7-     المجيئ الثاني للمسيح: يعتقدون بالمجيئ الثاني للسيد المسيح في اخر الزمان ومن علامات مجيئه (حدوث الكوارث الطبيعية والمجاعة والحروب، تدمير هيكل سليمان، حوادث كونية، ادعاء مسيح مكذبون، معركة هرمجدون الكبرى في فلسطين وتكون نهاية الدجال على يد المسيح).


*أنتهى*

مراجعة لكتاب د. محمد مجتهد شبستري "نقد القراءة الرسمية للدين"

مراجعة لكتاب د. محمد مجتهد شبستري "نقد القراءة الرسمية للدين" أبو محمد – مراجعة كتاب – 17 مارس 2020 في البداية يجب ع...