الاثنين، 16 مارس 2020

مراجعة لكتاب د. محمد مجتهد شبستري "نقد القراءة الرسمية للدين"



مراجعة لكتاب د. محمد مجتهد شبستري "نقد القراءة الرسمية للدين"

أبو محمد – مراجعة كتاب – 17 مارس 2020

في البداية يجب على من يريد الاطلاع على مثل هذه الكتابات وخاصة الكتابات  التي تتغطى باللباس الديني ان يكون لديه مخزون ثقافي ديني وان يتصف بالموضوعية وهي قراءة الكتاب وقراءة الردود على الكتاب لتكون الصورة لديه واضحة وعند وجود شبهات او إشكالات عليه البحث الجاد والصادق عنها وعليه ان يحتكم في (النهاية كفرد غير مختص) الى قراءة المختصين "فأما الحوادث الواقعة فأرجعوا فيها الى رواه حديثنا فانهم حجتي عليكم وانا حجه الله" وهم مراجع الدين الذين يمثلون حالة الابوة والقيادة والحكمة والذين حافظوا على هذا الكيان رغم الصعوبات والأزمات طوال هذه السنين، وانا هنا مجرد مطلع لا أكثر أحاول فهم الآراء الحداثوية الموجودة على الساحة.

يطرح شبستري في كتابه (نقد القراءة الرسمية للدين) قراءة بشرية للدين ويسميها القراءة الإنسانية للدين في قبال القراءة التقليدية للدين والتي يسميها القراءة الرسمية للدين، حيث يرى في قراءته البشرية للدين ان الخطاب الإلهي للإنسان أي كان إذا كان يقرب لله فهو خطاب ألهى سواء جاء عن طريق نبي او غير نبي وانه لا يوجد أي تفسير نهائي للخطاب الإلهي وان له خاصية التفسير الدائم والمستمر، ويرى ان مهمة العلماء تفسير الدين ولكن لا يعطيهم هذا التفسير أي ولاية على الدين.

ويضع شبستري (4) خصائص للخطاب النبوي وهي : ان يكون خطاب عقلائي يتناسب مع الزمان، ان يكون الخطاب معتمدا على اصالة العدالة، ان يكون الخطاب واقعيا، ان يكون الخطاب مفهوما لفعل فعله النبي.
شبستري يحاول تجديد الفكر الديني عبر توظيف الهرمنيوطيقا في نقد المنهج الفقهي السائد والذي في نتائجه يقول بزمانية الاحكام الاجتماعية "الواجبات والمحرمات في المعاملات" في الإسلام ذات طبيعة ارشادية لا مولوية، وأيضا ينتقد في موضوع الذهاب للأخلاقية الدينية ويصفها بالنظرة الطبيعية الميتافيزيقية ويراها انها مثالية غير قابلة للتطبيق على ارض الواقع عكس النظرة السياسية الاجتماعية لحقوق الانسان والتي يرى انها موضوع غير ديني. وينتقد نظرية حقوق الانسان في الإسلام.

ويرى ان الذين اعتمدوا على سيرة الامام علي (ع) في مسائل الحكومة والنظام لا معنى له اليوم جراء التحول السياسي/الاجتماعي/الإداري، ويرى أيضا انه يجب ان تكون هناك قراءات متعددة للدين وان تكون جميع هذه القراءات مقبولة! بما لا يؤدي الى انكار النبوة والتوحيد والمعاد وهي توسعة غامضة ومطاطية جعلها شبستري تؤدي الى التوسع في القراءات للانجرار لإنكار النبوة لعدم وجود رقيب يحفظ من تخطى هذه الدائرة وعليه لابد من وجود ضوابط لفهم الدين تكون حاكمة وهي حالة تنظيمية لا تعني الجمود او توقف البحث عن قراءة جديدة.

وينكر شبستري ان الله قد جعل للأنبياء صلاحية الحكومة على الناس وبالنسبة لبعض الأنبياء الذين أصبحوا حكاما فيقول انه مجرد واقع تاريخي لا يتعارض مع حاكمية الانسان ويفسر قوله "اطيعوا الله واطيعوا الرسول واولي الامر منكم) ان الآية مجرد تحكي عن واقع عملي كان الحاكم فيه الرسول (ص)! وعليه فالحكومة كما يراها شبستري من حق الناس فقط!.

  ملاحظات حول كتاب شبستري:

أولا: مترجم الكتاب هو السيد أحمد القبانجي وهو شخصية معروفة بنقد "الثوابت الدينية" التي يقول ان نقدها يخدم الدين والتجديد، وهنا تطرح ملاحظة حول دقه الترجمة لكتاب شبستري.

ثانيا: شبستري يعترف في صياغة كتابه وحديثه ان كتابته المعرفية ونقده ودخوله في موضوع الهرمنيوطيقا كانت بدافع (سياسي) وان مناهج الحوزة كما يقول لا تعين على استيعاب الديمقراطية في البلد، فيتبين ان الهدف الرئيسي لشبستري هو استبدال نظام سياسي قائم وليس تطويره ونقده فقط وأن المسألة ليست مسالة معرفية صرفه، وكان الأولى به أولا تصفيه الدوافع او كما يعبر عنه الشيخ حيدر حب الله "بطهير الدوافع" و"تطمين النفوس" قبل النقد لكيلا ينطلق من عقدة ومن ازمه في الفكر ولتكون الدوافع صادقة.

ثالثا: يلاحظ على قراءة شبستري انها قراءة يغلب عليها الجانب التحليلي ويقل فيها جانب الأدلة او الجنبة الاستدلالية.

رابعا: هناك أمور اتفق معها وامور اختلف معها مما ذكر في كتاب شبستري ومن الأمور التي اتفق معها وقد ذكرها مفكرينا ومراجعنا السابقون والحاليون وليس هذا شيء جديد وهو فيما يخص مثلا ان يكون الخطاب الديني خطاب بلغة معاصرة وفيما يخص قضايا الشباب والحرية الفكرية وتطوير دور المرأة ومكانتا في المجتمع الإسلامي وفيما يخص حقوقها ومستوى العدالة، وهناك ما اختلف معه سيكون بعضه مدون في ملاحظاتنا التالية.

ملاحظات حول مصطلح التجديد:

أولا: من اهم المصطلحات التي باتت تتداول اليوم هو مصطلح التجديد الديني بل ذهب البعض للقول بان اهم قضية تبحث في هذا العصر هي مسالة التجديد الديني وإعادة النظر في الموروث الديني بل وصل الامر للبعض بان يعيش عقدة التجديد بمعنى أن نضع في الواجهة أننا لا بد ان نجدد في الإسلام بحيث نثبت المسالة "كهاجس" نريد ان نثبت الى الآخرين أننا نريد أن نلبس الإسلام ثوبا جديدا وليكون الإسلام مجرد "معرض" لما يثيره الآخرون، التجديد قضية مطلوبة ومن سنن التاريخ ولكن مطلوب اولا اعداد المناخ المناسب وهذا هو الأهم والذي يتحاشى البعض الحديث عنه وهي راحة الأوضاع السياسية والمذهبية، فإذا نجحنا أولا بكف يد التدخل في هذا الموضوع وحصولنا على وضع سياسي هادئ وسليم سنملك هدوء وطمأنينة للقيام بنهضه شامله فالظروف السياسية والاجتماعية تلقي بظلالها على تأخير حالة الاستقرار والنهوض دائما.

ثانيا: المواجهة الفكرية في هذا الزمن ليست مواجهة بريئة، وذلك لأنه لا يمكننا فصل الصراع الفكري عن الخارطة السياسية العالمية، فصناع السياسة في العالم يصرحون بان المواجهة الحقيقية في الصراع ليست ساحة الحرب والأدوات ليس الأسلحة الحربية ولا الاقتصادية كما يتوهم البعض فالصراع الحقيقي هو "صراع ايدلوجي" ومن امثلته ما ذكر في كتاب "صدام الحضارات" لمؤلفه صامويل هنتجتون، وتقرير مؤسسة راند الأمريكية الذي سلمت لصناع القرار الأمريكي في 2007 باسم "بناء شبكات الاعتدال الإسلامي" عبر استخدام مصطلحات براقه مثل: الدين المعتدل، التنوير والحداثة و تقديم قراءة جديدة للدين، الخ.

ثالثا: هل التجديد مطلوب في ذاته؟ الجواب (لا)، التجديد هو وسيلة لإصلاح الواقع فقيمة التجديد بانه وسيلة لحلحة الواقع وافتراض وجود نقص أو خلل ما في القديم وأيضا عدم قدسية (التجديد) بوصفه مضموناً لا يعني صوابه أو تعاليه عن النقد، البعض يطالب بالتجديد فقط لأجل التجديد! فتكون مشكلته انه كيف تتعبدون بأحكام لها 1400 سنة فهو يرى الحفاظ على الشيء لهذه الفترة مشكلة ولابد من تجديد! والاساس في التجديد هو توضيح ما هو الخلل في المنظومة الفقهية بحيث تطالب بعدها بالتجديد. مثلا دستور أمريكا تقريبا أعلن من قبل 250 سنة، فقط تم تغيير ما يقارب 10% منه طول هذه الفترة وهو دستور وضعي فالتجديد ليس مطلوب في ذاته دائما.

رابعا: لا يوجد أحد ينادي في التجديد في العقائد واصول العقائد هي خارج التجديد والقيم الأخلاقية، لا أحد يدعو الى إعادة صياغتها لأنها قيم مطلقه فوق الزمان. موقع النزاع هي الاحكام الشرعية وهو الجانب العملي من الدين في الفتاوى الفقهية.

خامسا: يجب الالتفات الى أن هناك تيارات خارجية وداخلية تدعو الى افراغ الدين عن كونه حياة للمجتمع، والتيار الداخلي يركز حول ان الدين ليس حياة للمجتمع البشري وانه مجرد مضامين عرفانية وروحية وليس هناك إمكانية للدين بان يتحول الى كيان ويتجسد على ارض الواقع فينطلق من عدة منطلقات لتحقيق هذا التوجه كما ذكره السيد منير الخباز في كلمته بملتقى الخطباء بكربلاء 2018 وهي: (ضرب الوحي، ترسيخ بشرية شخصية النبي والائمة، القول بان المنظومة الفكرية مثل: الامامة والعصمة والولاية التكوينية هي من صنع علمائنا، التشكيك في التراث، وتاريخية النص، ضرب القضية المهدوية وذلك لضرب وإزالة مقام المرجعية، ضرب المرجعية مباشرة).

ملاحظات حول دعوى جمود التجديد في الفهم الديني كما يدعيه شبستري:

صحيح انه هناك تباطئ في عملية التجديد وكثيرين تحدثوا عنها ولكن الانصاف والمصداقية تدعو لذكر السلبيات بالإيجابيات وهذا ما لم يذكره شبستري بل صور في كتابه وكأن التجديد في الدين والفهم الديني لم يتحرك خطوات الى الامام! وأيضا لم يتطرق ان الحكمة والعقل تدعو للتدرج في الإصلاح والتجديد وعدم ممارسة الصدمة كما يدعو له، لأنها ستكلف المشروع وجوده وبناءه فلا يمكن هدم بناء شيد على مر مئات السنين بصورة مباشرة!  ونعود لنقدم النقاط التالية ردا:

أولا: جمود الفقه:
هل فعلا الفقه الإسلامي فقه جامد ولا يتغير وثابت كما يصوره شبستري؟
هذا غير صحيح فهناك بوابات للتجديد في الإسلام منها:

      (1) - داخل المنظومة الفقهية هناك تجديد داخلي فهناك بحث (الثابت والمتغير في الفقه الاسلامي): فهناك أمور ثابته وهناك أمور متغيرة أي أحكام مستثناة بمعنى لديها قابلية التغيير وهذه القابلية جُعلت من نفس الدين فهناك قواعد او ضوابط مثل " الضرر والاضطرار والحرج" متى ما انطبقت تتغير هذه الأحكام مثل ما يسمى بالأحكام الثانوية.


(2) - ما يسمى بالأحكام الولائية: الذي يصدر من المعصوم بما انه معصوم وبلحاظ منصبه السياسي ويصدر تبعا لوجود مفسدة او مصلحة او تدبير سياسي تقتضي هذا الأمر ومثال الامام علي (ع) جعل الزكاة في الخيل لوجود أزمة اقتصادية في ذلك الوقت ورفع هذا الأمر بعد انحلال هذه الأزمة وهناك من الفقهاء من عمل بهذا الحكم الولائي مثل الحكم الشرعي للميرزى الشيرازي صاحب فتوى التنباك، فالحكم الولائي باب من أبواب التغيير والتجديد.

(3) -ما يسمى بمنطقة الفراغ التشريعي: وهو تعبير أطلقه الشهيد محمد باقر الصدر وهي المنطقة التي تعنى بالموارد التي ليس لها حكم واضح وهي منطقة اوجدها الدين لتكون هناك "مرونة للتشريعات" تواكب الزمان والمكان خاصة في المجال الاقتصادي والسياسي والاجتماعي وإدارة الدولة وملئ هذا الفراغ إذا لم يكن هناك موقف للشرع تكون مسئولية ملئ هذه المنطقة هي "الامة" بمعنى السلطة التشريعية التي تمثل الامة.

(4) -مسألة مدخليه الزمان والمكان: الفقهاء يقولون ان الزمان والمكان يتدخل في موضوعات الأحكام فاذا تبدل الموضوع يتبدل الحكم، فمثلا موقف الامام الخميني في لعبة الشطرنج: ففي القاعدة الفقهية لعبة الشطرنج حرام فقال الامام الخميني إذا تغير الموضوع فيتغير الحكم فحين تكون هذه اللعبة رياضة للعقل والذهن وتحصل عليها مسابقات بالمعنى الجدي في هذا الزمان فيتغير الموضوع وعليه لابد من فقيه يعايش هموم الناس ويعيش زمانه ومكانه.


فاذا جمعنا هذه الأمور نجد أن الفقه يتحرك ويتجدد، فدور الفقيه هو ضبط المتغير في حياتنا بالثابت وهو الخطوط العامة للدين فالفقيه دائما في حال حركة فقد يكون الحكم ثابت فيطرأ عليه حكم ثانوي وقد يطرأ عليه حكم ولائي الخ، فالتجديد موجود ولو قارنا احكام الفقهاء المعاصرين والسابقين فهناك تغيير ملحوظ وواضح.

ثانيا: الاتجاهات الفكرية المختلفة:
الموضوعية والمصداقية تتطلب من شبستري ذكر او تبيان ان هناك تيارات فكرية ليست على مستوى واحد من التجديد فهناك تيارات تقليدية واصلاحية اتجاه التجديد وليس كما يصورها كلون واحد وقالب واحد! فهناك اتجاهات فكرية مختلفة ذكر بعضها الشيخ حيدر حب الله بشكل مفصل نختصر بعضها مثل:

(1) -الاتجاه التراثي التقليدي: وهو الاتجاه الذي يعتقد بالآليات الموروثة في علم الكلام وأصول الفقه وهناك مراجع اساسيون في حوزة قم يتبنون هذا الاتجاه الى اليوم.


(2) - الاتجاه التراثي التجديدي: الذي ينفتح على كل ما هو عصري، فيؤمن مثلاً بتطوير لغة الفقه والأصول والفلسفة، كما ويؤمن ببعض التعديلات الطفيفة في المعطيات الدينية، ويعتقد بضرورة إخراج الموروث الفكري بحلّة جديدة، ويقود مؤسّسات لإحياء التراث الخ ومن ضمن الشخصيات الرئيسية لهذا الاتجاه "الشيخ ناصر الشيرازي والسيد محمود الـهاشمي الشاهرودي، والشيخ باقر الإيرواني، والشيخ حسن الجواهري، والشيخ مصباح اليزدي وآخرين.

(3) - الاتجاه الثوري السياسي: يمتاز هذا الاتجاه بقراءة سياسية اجتماعية للدين، كما ويواكب تطوّرات الحياة السياسية أكثر من غيره ويتـزعمه اليوم مرشد الجمهورية الإسلامية آية اللـه السيد علي الخامنئي، وهو مهتمّ جداً بتطوير النظرية الفقهية بما يخدم حاجات الدولة الإسلامية، ولـهذا نجده يسعى من جهة لتطوير المفاهيم الفقهية بشكل ملحوظ، ونجد في سياق هذا الاتجاه تطوّرات ملحوظة لفقه المصلحة، وفقه الدولة وفقه المجتمع على السواء، كما يسعى هذا الاتجاه من ناحية أخرى لتقديم خطاب دفاعي عن الإسلام أكثر عقلانيةً من بقية الاتجاهات، والسبب أنه الاتجاه الذي كان معنياً أكثر من غيره بمطاولة آخر منجزات الفكر الغربي من زاوية دفاعية كونه اهتم بنتاجات سروش وملكيان وشبستري وكديفر و.. ويمكن لنا ذكر أسماء لهذا الاتجاه مثل: الشيخ صادق لاريجاني، والدكتور محمد جواد لاريجاني، والدكتور عبداللـه نصري، والشيخ مصباح اليزدي، والشيخ علي أكبر رشاد، والشيخ أحمد الواعظي، والدكتور يحيى يثربي وآية اللـه إمامي كاشاني في دراساته لفقه الضرائب، وآية اللـه التسخيري، وآية اللـه الشاهرودي، وآية اللـه الجيلاني وآية اللـه محسن الخرازي وغيرهم.

(4) - الاتجاه التجديدي الذي انطلق من داخل الحوزة: وقد اهتمّ هذا الاتجاه بإجراء تعديلات جوهرية على بنى الاجتهاد الفقهي ويركزّ في المرحلة الحالية على تنحية بعض المقولات النافذة في الاجتهاد الفقهي ويقف على رأس تلك المقولات كل من: الإجماع، والشهرة، والسيرة المتشرعية، ومن ثم ــ وبدرجة تالية وأقل ــ نظرية خبر الواحد، برز من روّاده المعاصرين السيد محمد جواد الموسوي الاصفهاني، الصادقي الطهراني، الأستاذ الحكيمي وغيرهم.


ثالثا: المشاريع:
صحيح أن التجديد جاء متأخرا نظرا لابتعاد الشيعة عن السلطة السياسية ولكن بعد انتصار الثورة في إيران قبل اقل من نصف قرن تشكل واقع ضاغط وواقع مغاير فتحولت المشاكل من طابع الإجابة عن أسئلة واستفهامات وملاحظات جاءت نتيجة ظاهرة الاستشراق/العلمانية/الماركسية الخ، إلى تقديم "نظريات متكاملة لمشاريع فكرية كبرى" وعليه جاءت الدعوة الى مشاريع أخرى للتجديد مثل:

     (1) -الدعوة لأنشاء مراكز: مثل دعوة السيد الخامئني في خطابة للحوزة بضرورة انشاء (مركز للحريات الفكرية ومركز الابداع والتجديد العلمي وانشاء مؤسسة تعليمية للتبليغ الدولي ومراكز دراسات استراتيجية) تعمل على المواكبة الدائمة للمستجدات الفكرية في المجتمع الإسلامي فيرصد كل كتاب أو نقد أو نظرية صدرت وتم تناقلها في المحافل العلمية ليتم تقييمها والرد عليها وقد تم انشاء بعضها بدعم من سماحة السيد وهناك مراكز قائمة حاليا مثل: "معهد المعارف الحكمية للدراسات الدينية والفلسفية، اكاديمية الحكمة العقلية، المركز الإسلامي للدراسات الإسلامية التابع للعتبة العباسية، مركز الدراسات الإسلامية في ايران لمثلية الولي الفقيه وتخرجت عشرات المؤسسات البحثية الخاصة بالقرآن والعلوم الاجتماعية والإنسانية وغيرها تحت مظلة سماحة السيد الخ.


(2) - مشروع التجديد في الحوزة نفسها فقد كانت هناك دعاوى الى التجديد في الحوزة من قبل اعلى سلطة دينية وهو السيد الخامنئي ففي لقاءة بطلبة العلوم الدينية سنة 2007 تعرض سماحته لدعوى التجديد مثل (التخطيط المستقبلي لشؤون عمل الحوزة، ضرورة التحول والتغيير في عمل الحوزات مثل أساليب التعليم والتحقيق ومناهج التدريس والنظام الإداري لتكون مواكبة للتطورات والاحداث في جميع الابعاد والمجالات المختلفة، منح الحوزة الشهادة العلمية لطلابها، رسم السياسة العامة في الحوزة، اعداد المبلغين الاكفاء للمنبر الحسيني، العمل على الفقه التخصصي في الحقول الإسلامية المختلفة، استقلالية الحوزة، تقديم الأولويات والحاجات الملحة، الخ). وصحيح ان السيد الخامنئي يتلقى معارضة من قبل الجهات التقليدية في الحوزة وهذا شيء طبيعي اتجاه أي حركة اصلاح وفقد عبر عن ذلك الإهمال والمعارضة في كلمته امام طلبة الحوزة سنة 2007 بقوله" ان كثيرا من الاقتراحات التي طرحتها طيلة السنوات الماضية حول الحوزة العلمية سواء ما طرحته في الاجتماعات العامة امام مئات او ألاف الطلاب والفضلاء والاستاذة، او ما طرحته في اللقاءات الخاصة مع مسئولين في الحوزة العلمية او مع بعض المراجع او الفضلاء، لم يتحقق حتى الآن، او تحقق بعضها بصورة جزئية او اهملت قبل اكمالها" ولكن مع هذا فتيار التجديد الواقعي ينمو ويستمر  وتتسع رقه وجوده على الأرض وبشكل متسارع في الآونة الاخيرة.

(3) - هناك نموذج اخر لطلب التطوير والتجديد في فقه الأصول من خلال الاستفادة من العلوم الحديثة مثلما ذكره السيد السيستاني ونقله السيد منير الخباز في تقريراته بكتابه (الرافد في علم الأصول) ص17-18 والصادر في 1414 هـ" أن الفترة التي نعيشها الان بمقتضى العوامل الاقتصادية والسياسية تمثل الصراع الحاد بين الثقافة الإسلامية والثقافات الأخرى على مختلف الأصعدة، فلا بد من تطوير علم الأصول وصياغته بالمستوى المناسب للوضع الحضاري المعاش. وقد ركزنا في بحوثنا على بعض الشذرات الفكرية التي تلتقي مع حركة التطوير لعلم الاصول من خلال الاستفادة من العلوم المختلفة قديمها وحديثها كالفلسفة وعلم القانون وعلم النفس وعلم الاجتماع ومن خلال محاولة التجديد على مستوى المنهجية وعلى مستوى النظريات الكبروية استمداداً من كلمات الأعلام (قدس سرهم) في عدة حقول". وهذا حاصل عمليا فمثلا السيد السيستاني أحد العلوم التي لابد ان تكون ومتوفرة في المجتهد حسب راية هو "علم المخطوطات" على عكس استاذه السيد الخوئي وهكذا.

(4) - نموذج الابداع المعرفي: فبدل الاستنساخ من الاخر والذي لا بأس من الأخذ بما يفيد لكن، اخذ النظرية المعرفية كقالب كامل وتطبيقه بحذافيره دون دراسة مستفيضة هذا أمر غير واقعي، والمطلوب التشجيع على خلق الإبداع وتطوير ما لديك او خلق فكرة جديدة مثل النظرية الاستقرائية للشهيد الصدر والتي مر عليها أكثر من نصف قرن للان لم يتم للأسف تنضيجها وتوسيع مداركها، فلماذا لا يتم الدعوة للإبداع بدل الاستنساخ؟!

(5) - مشروع تجديد علم الكلام والذي يتم التركيز عليه في المحافل الفكرية والدينية المعاصرة وتحويله إلى عمل مؤسسي.

وهنا اشارة للجانب السياسي لطرح شبستري، لماذا لا تعطى فرصة لكيان سياسي ونظام إسلامي قائم لم يكمل نصف قرن من تطوير نفسه خاصة وأنه لم يستقر في فترة من الفترات وواجهة العالم بأسره أليس من الإنصاف إعطاء فرصة للتجربة الإسلامية الوحيدة التي يمكن البناء عليها فالإسلام الشيعي للتو بدأ مسألة الدولة وتفاصيلها ولحد الآن بالمقارنة المنصفة بين ايران قبل وبعد الثورة في الجانب العلمي والتعليمي وغيرها من المجالات يتبين حجم التقدم في جميع المجالات وهو ما يبشر بصلاحية التجربة التي تحتاج مزيد من الدراسة والتقويم والمعالجة وتقدير ما تم إنجازه حتى الان في ظل كل الظروف التي مر بها النظام القائم.

في المقابل يجب التنبه الى ان العلوم الدينية بنيت منذ مئات السنين على المنطق الارسطي فلا يمكن بالتأكيد في يوم وليلة تغييرها وهدمها وبناء شيء جديد لكل هذا الصرح المشيد منذ مئات السنين فالمسالة ليست بهذه البساطة، اليوم هناك نقاشات في النظرية الاستقرائية والنسبية التي تتحرك ضمن أصول ثابته والتفسير الموضوعي وغيرها من النظريات المعرفية فيجب تقديم دراسة متأنية لكل نظرية قبل الاخذ بها.

ملاحظات حول الخلط بين القانون الوضعي والقانون الشرعي :

أولا: هناك خلط بين القانون الوضعي والقانوني الشرعي فالقانون الوضعي قابلية التغيير فيه مفتوحة على مصراعيها لأنه قانون بشري وضعي اما بالنسبة للقانون الشرعي والفتاوى الفقيه قياسها بالجانب الوضعي غير صحيحة لأننا لا نملك حق التشريع فمرجع التقليد ليس بمشرع فنحن نرجع لمرجع التقليد وفهم المرجع للنص الذي يكون عبر ضوابط فنحن لا نتعبد بتشريع المرجع بل بفهم المرجع للنص الديني.

ثانيا: إذا عرفنا ان المرجع ليس بمشرع فمطلب تغيير الفتوى خطا فالمرجع لا يملك حق التشريع، نعم إذا جاء شخص وذكر انه لديه اشكال حول فهم معين وهذا الاشكال مبني على الأدوات التي يستعملها المرجع في صناعة الفهم والفتوى فهذا الاشكال وجيه ومطلوب وهذا حاصل في الدروس العليا في الحوزة فأستاذ البحث الخارج يطرح رايه ويقيم الأدلة على هذا الراي وطلابه يناقشوه فيما وصل له.

ملاحظات حول القراءات المتعددة للدين والتي ذكرها شبستري:

الاختلاف في فهم الدين ظاهرة كانت جارية على الدوام ولكن ما يتحدث عنه شبستري هو القراءات المختلفة للدين ويعتبر النمط المتطرف للاختلاف وذلك لعدة أسباب:

أولا: الفهم المتعدد للدين ظاهرة موجودة ومستمرة ولكن ليس هناك تباين واسع بين القراءات لحد التطرف، نعم هناك اختلاف في وجهات النظر لبعض المسائل الدينية ولكن أيضا هناك "ثوابت ومشتركات أكبر"،  فمثلا (نظرية الدولة) في الفقه الشيعي نجد هناك اختلاف للقراءة فمن يرى إقامة الدولة وبين من يرى حرمة إقامة الدولة وبين من يرى ولاية الفقيه المطلقة وبين من يرى ولاية الفقيه المحدودة، فهل تعدد القراءات اليوم حول الحكومة والدولة تؤدي الى تعدد المذهب الشيعي؟! الجواب (لا )، لان المشتركات أوسع وأكبر وهذا ما يضمن وحدة الصف الشيعي مع وجود الاختلافات. ولكن شبستري حول دعوته لتعدد القراءات للدين يتجه اتجاه ان تتعدد الأديان في الدين الواحد!

ثانيا: يقول ان أسباب اختلاف القراءات ناتج عن الذهنية المسبقة والذائقة والميول للفقهاء، ولكن الحقيقة الاختلاف راجع لاختلاف المباني الأصولية والمباني الرجالية وأدوات الاستنباط لكل مجتهد، والاختلاف هو اختلاف منهجي يخضع لضوابط.

ثالثا: تعدد القراءات بالصورة التي يطرحها شبستري توسعة غامضة ومطاطية قد تؤدي الى التوسع في القراءات للانجرار وإنكار النبوة لعدم وجود رقيب يحفظ من تخطى هذه الدائرة، حيث انه يشرك ذهنية العالم في الفهم وعليه سيؤدي الى ضرب من الفوضى المعرفية ونزعة الشك! وعليه لابد من وجود ضوابط للفهم الديني تكون حاكمة وهي حالة تنظيمية لا تعني الجمود او توقف البحث عن قراءة جديدة.

ملاحظات حول الهرمنيوطيقا التي تبناها شبستري:

شبستري يدعو إلى استخدام مناهج التأويل المعاصر (الـهرمنيوطيقا) ومناهج القراءة التاريخية ومناهج الفلسفة المضافة في قراءة النصّ الديني وهو استخدام لا يخلو من بعض الإشكالات حوله نذكرها في نقاط:

     (1) - نؤمن بوجود ووجوب تعددية الفكر ، فلا احتكار للمعرفة وإنما الفيصل هو الفكر والقول والإقناع، ولكن مع ضبط الحرية الفكرية تبعاً للخصوصيات المجتمعية والحضارية، فلا مشكلة ولا مانع من الاستفادة من العلوم والمناهج الجديدة بل هو مطلوب فالقرآن حث على الاخذ بتجارب الأمم الناجحة والاستفادة من تجربتهم "فالحكمة ضالة المؤمن يأخذها أينما وجدها"، ولكن يجب الحذر واخذ ما يناسبنا من أدوات وليس اخذها كقالب كامل وتطبيقه على ديننا بدون دراسة متانيه واخذ كل الابعاد كما يحاول ان يقوم به شبستري ويبين ان الهرمنيوطيقا هو العصا السحرية التي ستخلصنا من كل المشكلات، نعم يمكن دراستها دراسة متأنية والاخذ ببعض ادواتها او تطويرها حسب ما يناسب ديننا وثقافتنا وهذا حاصل وموجود فحاليا هناك دراسات في داخل الحوزة حول الهرمنيوطيقا وكيفية الاستفادة منها.


(2) - تطوير ادوات قراءة النص شيء مطلوب وضروري للوصول للتجديد المطلوب في فهم النص حيث هذه الأدوات سابقا وحاليا أنتجها العقل البشري والعلوم في تطور مستمر مثل علوم اللغة والانسانية وعلم النفس والاجتماع والانفبولجيا الخ ويجب مواكبتها ولكن يجب على المتخصص وهو المجتهد الجامع للشرائط اختيار ما يناسب من هذا الأدوات فهذا حقله.

(3) - يسعى شبستري لأثبات القول أن (الحركة والتغيير في الكون لابد ان يواكبة إجابات مناسبة وعصرية لها) وهذا ما يعرف "بالفقه الديناميكي المتجدد" وهو موجود في الحوزة باسم الاجتهاد المرادف للحداثة فالحداثة فيها ثلاثة عناصر "العقل، العلم، الزمن" وكذلك الاجتهاد فالإسلام يحمل التجديد والحيوية في داخله وليس كما يقوله ان افق التجديد مسدود ولا يكون التجديد إلا بالهرمنيوطيقا.

(4) - شبستري يوظف الهرمنيوطيقا بشكل مبهم بعض الشيء بسبب تعدد انماطها فهو حسب استدلاله يحقق مدخليه الزمان والمكان والفهم التاريخي للنص وهي نتيجة تؤدي الى إزاحة منظومة الفقه السياسي وفي حديثة عن الهرمونيوطيقا لم يحدد أي نمط من انماطها المقصود؟!

(5) - لا نريد ان نصل الى ما أصبحت عليه الديانة المسيحية اليوم فهي مجرد اسم، فلا يوجد لها أثر وأصبحت الديانة جزء من برتوكول في الحياة، كنائس محدودة وعدد قليل يقصدونها وبعض التقاليد والطقوس يأدونها وأصبحت الديانة فارغة بسبب الانحرافات الفكرية العقائدية التي حصلت طوال التاريخ فهل، نريد دين يقود الحياة كما عبر عنه الشهيد الصدر ولذلك يجب التأني في الاختيار.


كلمة في الهرمنيوطيقا:
الهرمنيوطيقا وجدت مع الحركة المسيحية التصحيحية بقيادة مارتن لوثر حيث كانت الكنسية تشكل هيمنه على المسيحيين ولا يسمح لاي شخص خارج الكنيسة ان يفهم الكتاب المقدس وقد بدأت الثورة التصحيحية بقيادة مارتن لوثر فأوجد مفتاح اخر لفهم الكتاب المقدس والقول بان اللغة وفهم اللغة متاح للجميع ويكون القراءة المفتوحة للكتاب المقدس، فاصبح هناك تضاد بين الحركة التصحيحية والكنيسة وقد تحول الكثيرين من المفكرين خاصة بعد الثورة الفرنسية الى الالحاد الى ان جاء المفكر الألماني فردريك شلايرماخر(1768 – 1834) وهو أب "الهرمنيوطيقا الكلاسيكية" القراءة النفسية والقصدية وبعده جاء فلهلم دلتاي ( 1833 -1911 ) والذي وجهة لتكون الهرمنيوطيقا لجميع العلوم وبعده الذي احدث فرقا كبيرا في الهرمينوطيقا وهو مارتن هايدغر (1889 – 1976) وادخل الهرمنيوطيقا في المبحث الفلسفي.

اذا الهرمنيوطيقا دخلت في عده أنماط ومراحل واخطرها التي ذكرها هايدخر وتحويلها الى المبحث الفلسفي وفهم الفهم ومن ثم جاء بعده هانز غادامير (1900 – 2002) الذي فتح الباب على مصراعيه لاغتيال المؤلف ونسف مقاصده، إذ يصبح النص لعبة المتلقي، اذا الهرمنيوطيقا بدأت منذ اقل من 200 سنة وتطورت في اخر 50 سنة عند غادامير.

مثال لنظرة غادامير:
مثلا هناك رواية للأمام علي (ع) وهناك اختلاف فهم حولها فاذا اردنا معرفة ما أراده الامام فما هي الضابطة لترجيح فهم على الاخر؟ طبعا اللغة تحتفظ بمعانيها القديمة ونحن الان نفهم اللغة بصورة أخرى ونستوعبها بصورة أخرى فإيهما يمثل الحقيقة ذاك المعنى الموجود في التاريخ ام المعنى الذي نوجده نحن الآن؟

 غادامير يقول: المعنى اللغوي الذي نحمله الان! وهذا ما تسرب اليوم للواقع الإسلامي عبر حجه ان الفهم ليس حكرا وفتح القراءات المتعددة وامثال هؤلاء هم " نصر حامد أبو زيد، مجتهد شبستري، سروش وغيرهم" قالوا هذا الفهم ليس حكرا لهذه الجهات الدينية ولا يمكن ان يكون هناك واسطة بيننا وبين القرآن لان القرآن لغة واللغة لها دلالات معينه ونستطيع ان نفهم دلالات هذه اللغة لتفكيكها ونقرئها حسب واقعنا اليوم.
وهنا تسجل خطورة للإسلام: فاذا قلنا ان الهرمنيوطيقيا تفسير وفهم للنص وهذا النص لا يتحاكم مع نصوص موجودة في الماضي وانما يتحاكم مع الافق الثقافي الذي يمتلكه الانسان ليفهم النص ومرادات النص فماذا ستكون النتيجة؟!

هناك مبادئ للهرمنيوطيقا منها (موت المؤلف، خرافية القصد، لا نهائية للمعنى، سد الفراغات، عدم البراءة لهذه المعاني التي نكتشفها)، فمثلا لو طبقنا هذه المبادئ على القرآن الكريم فماذا ستكون النتيجة؟!

مثال :
أولا: (موت المؤلف) هذا لا يمكن ان ينطبق على القرآن فكيف تم حل هذه المعضلة من قبل المفكرين الإسلاميين المتنورين والذين يريدون ان يوجدوا واقعا للهرمنيوطيقا كما في الغرب؟
قالوا الحل هو: ان نحول هذا القرآن الى قرآن انساني انسنه الكلام الإلهي! ليكون في حدود القدرة الإنسانية!

ثانيا: (خرافية القصد) لو طبقناه على القرآن الكريم فنقول ليس لله قصد ومراد خاص في هذه الآيات القرآنية فالمراد من هذا هو انه نحن الذين نوجده! وهم بذلك اشبه بالمصوبة! فلو طبقنا ان ليس لله احكام في القرآن الكريم وليس له مراد فمراد الله نأتي به من المفسر الذي يوجد ما أراده الله ولكن هذا المراد متغير من شخص الى شخص اخر؟ فيقولون كل الآراء صحيحة !!!

لو طبقنا هذه المبادئ الحداثوية التي تقول ليس هناك موضوع انا اكتشفه واتعرف عليه وانما المعرفة هي انطباعاتي الذاتية ومرتكزة على ان هناك قراءات متعددة ولا ""نهائية"" ومرتكز على انه لا حقيقة موجودة وانما الحقيقة هي حقائق تأويلية فستكون النتيجة هي: ضياع شيء اسمه اسلام لان الإسلام يكون عندما تكون ملامح ومبادئ وتعاليم الإسلام واضحة وليست مفاهيم متعددة لا نهائية كما يقول شبستري أن دين كل انسان ما يفهمه! فكل هذا الفهم هو دين! وعليه لا يمكن ان ندرك له ملامح معينه ومحدودة!

السؤال: صحيح هناك تراث غير صحيح ويحتاج غربلة وهو ما يصرح به جميع الفقهاء ولكن لماذا شبستري لم يقدم قراءة موضوعية للتراث او يغربل التراث فيبين ما هو عقلائي وما هو غير عقلائي؟ بدل الغاء التراث بالكامل والقول ان كل هذا التراث غير ملزم بالنسبة لي لأنه يخضع لقوانين التاريخ والتاريخ متغير ومتبدل وانه ضمن تلك الحقبة وقد أدى دوره في تلك الحقبة والظرف!

الرد هو بالاعتراف بالنسبية وان هذه النسبية عندما تتحرك ضمن أصول ثابته فلو لم تكن هناك أصول ثابته لا يمكن ان تتحرك النسبية او ان نستوعب النسبية وهو يقودنا الى ان في الدين (هناك ثابت وهناك متغير) فالتشيع مثلا اليوم هل هو التشيع في عهد الشيخ المفيد؟ فالتاريخ متغير والنسبية موجودة.

يجب ان نفهم القرآن من خلال المحكم والمتشابه فهناك محكمات هم ام الكتاب والركائز التي نرتكز عليها وهي أصول الحكمة وجوامع العلم وهي القيم الكلية التي لا تتجدد ولا تتغير  وهي القيم التي لا تنفعل بالزمان.

مثال:
الاحسان القرآن تكلم عنها كقيمة من القيم: فالإحسان قيمة ثابته مستحيل تشكك فيها النسبية فلا يمكن ان يأتي زمان يتحول الاحسان ليس بإحسان والمتغير هو تجليات الاحسان وتطبيقات الاحسان مثلا الاحسان في ذلك الزمن اخذ الخبز وانقله لمنازل الناس واتبرع به والإحسان اليوم شكله وطريقته اختلفت  وكذلك (العدل) قيمة ثابته: الذي يختلف هو تجليات العدل وتطبيقات وممارسات العدل فمثلا اشخاص يقولون العدل هو النظام الجمهوري وناس يقولون في النظام الدستوري الخ هذه هي النسبية فهناك نظام قيمي في القرآن هذا النظام يشكل المرتكز الأساسي للمعرفة ويلاحق الواقع المتغير  والواقع المتغير هو الذي يعطي المساحة للإنسان ولعقل الانسان لكي يبدع ويفكر  ويكون مساهم في إيجاد معالجات ومغالطات للواقع الخارجي ارتكازا من القرآن الكريم.

ملاحظات حول ما يقوله شبستري ببطلان وفقدان الدليل على ان الإسلام يملك منظومة متكاملة:

يقول شبستري ان إصرار البعض بادعاء ان الإسلام يملك منظومة متكاملة على المستوى السياسي والاقتصادي والحقوقي هو ادعاء باطل وفاقد للدليل!

من الانصاف ان يذكر شبستري بأن الفترة لتطور النظرية السياسية في الفكر الشيعي " فترة قصيرة جدا" وتحتاج فترة لانضاج هذا الفكر، علما بإن النظرية السياسية الواضحة بدأت قبل قرن فقط على يد النائيني والذي يعتبر من أوائل الفقهاء ممن اسسوا الفقه السياسي الحديث ومن أول من اقر شرعية النظام السياسي الدستوري وأصل له فكريا ودينيا من خلال كتاب الله والسنة وأحاديث اهل البيت (ع) كما في كتابه "تنبيه الامة وتنزيه المله"، ويعتبر كتابه او رسالته التي أطلقها في الحركة الدستورية/ المشروطة في إيران في بداية القرن العشرين الموقف الرسمي للزعامة الدينية الشيعية في الاتجاه السياسي وتعتبر اليوم هي البناء الاولي للثورة الإسلامية في إيران والتي قادها السيد الخميني.

وحتى فترة ما قبل الخمسينات خاصة في النجف الاشرف لازال الفكر الشيعي المطروح في ذلك الوقت ان الإسلام عقيدة وعمل فقط (العقيدة هي أصول الدين والعمل هو فروع الدين)، ولكن في فترة الخمسينات تغير الامر مع تحرك لجيل واعي مثل الشهيد الصدر الذي يعد اول من طرح فكرة ان الإسلام نظام للحياة ينظم كل شؤنها حيث يذكر العلامة الفضلي في كتابة "الحركة الإسلامية في العراق" أنه قدم سؤال للمراجع بتوجيه من الشهيد محمد باقر الصدر حول "هل في الإسلام نظام كامل شامل لتنظيم الحياة؟" وكان السؤال باسم مجلة الأضواء للمراجع (السيد الحكيم، السيد ميرزا عبدالهادي الشيرازي، السيد ميرزا مهدي الشيرازي، الشيخ مرتضى آل ياسين) والذي تم الجواب عليه "بنعم" للإسلام نظام كامل لتنظيم الحياة.

وتحرك الشهيد الصدر عمليا بإصداره لكتاب اقتصادنا وفلسفتنا ولمحة فقهية تمهيدية عن مشروع دستور الجمهورية الاسلامية فى إيران والإسلام يقود الحياة والبنك اللا-ربوي في الاسلام ولو مد الله في عمره لكان نتاجه الثنائي ليكتمل بمجتمعنا وذلك ليثبت امام الاخرين هذه الحقيقة أن الإسلام نظام شامل للحياة فالشهيد الصدر طرح الإسلام نظاما سياسيا في مقابل الأنظمة الأخرى المطروحة في الساحة.

ثم جاء الامام الخميني ليثبت عمليا هذه النظرية عبر اقامته ورفعه لشعار الجمهورية كمنهج في الحياة وإطار للحكم وطريقاً نحو بناء الدولة المعاصرة، ولذلك فموضوع بناء الدولة في الجانب الشيعي لم يتعدى نصف قرن وعلى ذلك فقد قدم اثباتا ان الإسلام له منظومة متكاملة وصحيح تحتاج لتطوير ونقد لأنها لازالت موضع مناقشات ونضوج ولكنها تجربة تستحق الدراسة والقراءة والاقرار، لذا فترة وتطور الفكر الإسلامي الذي شكل منظومة شاملة للحياة قصير ورغم قصر هذه المدة ولكنه قدم نظريا وعمليا اثبات ان الإسلام نظام شامل للحياة.

فالنظرة التي يقدمها شبستري هي نظرة تيار كما يعبر عنه السيد منير الخباز في ملتقى الخطباء في العراق سنة 2018 انه تيار من الداخل "يحاول افراغ الدين عن كونه حياة للمجتمع البشري وان الدين فقط مجرد مضامين عرفانية وروحية وجميلة تهفو لها الروح وتلتذ بها النفس ويتغنى بها الانسان في أوقات معينة، أما ان الدين يتحول الى كيان والى وجود يتجسد على ارض الواقع فلا" .

ملاحظات حول الغاء حقوق الانسان الإسلامية والاخذ فقط بحقوق الانسان الوضعية:

شبستري يدعو وينادي بالتخلّي عن مقولة حقوق الإنسان في الإسلام، ويدعوا الى الاخذ بحقوق إنسان وضعية لا دينية وهو الإعلان العالمي لحقوق الإنسان معتبراً إياه المرجعية الوحيدة في هذا الخصوص، وبذلك يجعل من فعل النبي (ص) والائمة (ع) وحتى عدالة الإمام علي (ع) لم تعد اليوم عدالةً لو أردنا استنساخها مجرد فقه وسيرة تاريخية لا أكثر وعليه فهو "يجرّد النصوص الدينيّة من حقّها" في وضع نظم مدنية وحقوقية وتجارية وسياسية واقتصاديّة وغيرها، وهذا العمل أيضا من شانه أن يطيح بالكثير  من الأحكام الشرعيّة والتصوّرات الدينية في قضايا الجهاد والعلاقات الدوليّة.

أولا: هناك اختلاف جوهري بين المدرسة "المادية" التي ينطلق منها شبستري والمدرسة "الدينية" في مسالة الخلافة، فالمدرسة المادية ترى الانسان أصيل في الكون وليس وكيل، وعليه فأنها تعتبر الانسان محور فهو الذي يخطط ويسن القوانين ويبني الحضارة بعقله وبمفرده، بينما المدرسة الدينية (علم الكلام) والتي ترى الإنسان وكيل فأنها ترى ان الإنسان مجرد خليفة لا يمكن للعقل البشري المحدود أن يخطط لحضارة دائمة ولا أن يخطط لقوانين مستمرة فالعقل ابن بيئته وزمانه وثقافته الاجتماعية فلا يمكن للعقل فقط ان يسن قوانين تصلح لكل زمان وحضارة ومجتمع، فلذلك المدرسة الدينية لابد ان ترجع في أسس وقواعد حقوق الانسان للدين.

ثانيا: ألا تتناقض دعوته هذه لإلغاء حقوق الانسان الإسلامية والاخذ بالحقوق الوضعية كلامه عن العقلانية في طول وعرض كتابه "أن ديننا عقلاني" وفي موضع اخر يكتب "ان الحقوق الإسلامية عقلانية وتقع على عرض سائر الحقوق العالمية" وأيضا الا تتناقض مع دعوته ونظرته للتعدية؟!

ثالثا: شبستري طرح في حديثه عن الإعلان العالمي لحقوق الانسان ان هذا الاعلان واجه معارضة من البلدان المسلمة والشرقية والى اليوم لاختلافات حول بعض مواده والسؤال لماذا إصرار شبستري على عالمية هذا الميثاق وشمولية وكماله؟!

رابعا: اليس الإعلان العالمي لحقوق الانسان نتيجة لفهم مجموعة من الناس من مختلف التوجهات لحقوق الانسان فلماذا نكون ملزمين بفهم اشخاص محددين حول حقوق الانسان ولماذا لا يكون كذلك هناك فهم لمجموعة في إطار مؤسسي إسلامي وبجهد مشترك لحقوق الانسان؟! ولماذا لا يكون هناك نقد للرؤية الإسلامية واصلاحها بدل الغائها؟ ثم أليس القانون قد يصلح في دولة وقد لا يصلح في دولة أخرى فلكل دولة خصوصيتها؟!

خامسا: هناك الكثير من نقاط الالتقاء بين حقوق الانسان الإسلامية والوضعية ويجب التركيز على نقاط الالتقاء ولكن ليس من المعقول القول بإلغاء كل نصوصك واساساتك الإنسانية واستبدالها بالأخذ بحقوق تخالف بعض منطلقاتك واهدافك ولو بالحد الأدنى، نعم ليس صحيحا التعامل بسلبية من الإعلان العالمي وليكون مكملا للرؤية الإسلامية فالأصل في العلاقات الإنسانية هو تقريب وجهات النظر وقبول الحسنات الصادرة عن الانسان.

سادسا: هناك قراءات إسلامية لحقوق الانسان تستحق الإشادة والاطلاع والنقد عليها مثل ما يقدمه مدير مركز الدراسات الإسلامية في مجلس الشورى الإيراني (الدكتور الشيخ آية الله احمد مبلغي) والذي قدم دراسة وورقة تعتمد أولا كرامة الانسان كبنية تحتية لسائر الحقوق وأنها كرامة ذاتية للإنسان وليست خاصة بالمسلم وغيرها من النقاط التي تنسجم مع الرؤية الإسلامية والعالمية لحقوق الإسلام كما قدم دراسة حول الحريات الإسلامية وغيرها من الدراسات التي تحتوي قراءة معاصرة لمختلف المجالات.

سابعا: الاعلان العالمي هو اقرب الى الوثيقة النظرية منه الى الوثيقة العملية، لأنه لا يوجد ما يلزم احدا به، بينما يطرح الاسلام حقوقا ويضع الى جانبها الضوابط التفصيلية لحمايتها ورعايتها، فالقيمة لاي اعلان لحقوق يجب ان يرتبط بضوابط للالتزام بها، فالإعلان العالمي جاء  "كضرورة تاريخية" لأجل الحد من الحروب مثل الحرب العالمية الأولى والثانية والنزاعات الدموية وهم لا يلتزمون بتطبيقه بل تطبيقه حسب لون وانتماء الشخص أو الجهة وهو تطبيق متناقض ومجير فتراهم يدافعون بكل آلتهم الإعلامية والمؤسسات السياسية والإعلامية والحقوقية لأجل شخص ما لأجل سياسة معينه وتراهم يغضون الطرف عن كل انتهاك لا يخدم مصالحهم وتراهم أيضا يغضون الطرف عن الانتهاكات والفوضى الخلاقة لبعض البلدان وذلك راجع لتمويل هذه المؤسسات القادم من نفس هذه الإدارات الدولية، ثم لو نظرنا الى الادانات السنوية تتجه لدول معينه فقط المخالفة لسياسات دول عظمى فهي ادانات مجيرة والاستفادة الكبرى هي للدول العظمى وبذلك تكون حقوق الحيوان اهم واسبق من حقوق الانسان في نظر هذه الدول!

""أنتهى""


الخميس، 20 فبراير 2020

مراجعة كتاب " من بلاط الشاه الى سجون الثورة" لمؤلفة عالم الاجتماع إحسان نراغي



بقلم أبومحمد -مراجعة- 20 فبراير 2020

إحسان نراغي عالم اجتماع ومؤرخ ومؤسّس معهد الأبحاث الاجتماعية في طهران، والمستشار لدى اليونسكو، كتاب "من بلاط الشاه الى سجون الثورة" نشرة في عام 1991و يدور موضوع الكتاب حول الساعات الخمسين التي قضاها مع الشاهنشاه خلال الأيام الأخيرة من حكمه والثلاثة والثلاثين شهراً التي قضاها في سجون الثورة والذي قال عن هذا الاعتقال انه كان ضحية الفترة العصيبة من التوتر والتفجيرات والحركة المسلحة التي قادتها منظمة المجاهدين خاصة بعد هرب بني صدر والذي كانت تربطه به علاقة الأستاذ بالتلميذ.

يحاول أن يؤكد في سيرته الذاتية في الكتاب بالقول انه شخصية مستقلة لا تنتمي الى أي جهة ويدلل بذلك بالقول ان بعض الوثائق في السفارة الامريكية اثبتت انه مستقل، طبعا طبيعة الشخصيات المستقلة دائما ما تجعل جسور لها بين كل الجهات وهي موازنة صعبة التحقيق، طبعا لا يخفى على أحد من خلال قراءة الكتاب أن ميله اتجاه الجبهة الوطنية وريثة مصدق كان كبيراَ بل ان تلامذته هم قيادات في هذه الجبهة وحتى حواراته او المعلومات التي يقدمها للشاه كانت عبارة عن وساطات او توصيات لشخصيات من الجبهة الوطنية.

حواراته للشاه تنقصها دليل قوي يؤكد دقتها فمن يعرف الشاه ويقرا عنه لا يتخيل كل هذه الجرأة في الحوار معه بالتفاصيل التي يذكرها نراغي وأيضا تظهر لغز طلب الشاه الدائم لهذه الشخصية فقط من ضمن الشخصيات المستقلة الأخرى للحوار معه حيث دائما في حواراته ما يطلب معلومات عن التحركات الأوربية خاصة التي تكون عن الخميني واتباعه وأيضا طلب اعطائه النصائح وكأنه مستشار خاص به! وكل هذا في ألحك وأصعب ظروف للشاه في سنتيه الأخيرتين ولساعات تتجاوز الخمسين!

هذه الحوارات كانت بين شخصين أحدهما توفي في يوليو 1980وهو الشاه أي قبل اصدار الكتاب وبقت الشخصية الأخرى وهي نراغي الذي يؤكد على صحة العناوين العامة في الحوار عبر ما يقوله نراغي وثائق تسجيلات أجهزة التنصت حول مكالمات نراغي مع علي اميني رئيس الوزراء السابق وعبدالله انتظام وزير الخارجية السابق حول والتي كان يستفسر فيها نراغي عما اذا كان ما يقوله الشاه لهم متطابق مع ما يقوله الى نراغي، أيضا يقول نراغي فيما يؤكده من عناوين كانت لحواراته مع الشاه ان القاضي في حكومة الثورة تفاجا من خلال الاطلاع على ملفه بشان الانتقادات والتحليلات لآراء الشاه السياسية وانه كيف ان الشاه لم يسجنه!

حاول في الكتاب التفريق بين العائلة البهلوية والشهبانو فرح زوجة الشاه وأنها مختلفة عنهم بل أقرب للشعب وأنها كانت تحاول البحث عن الحل السياسي لكنها اصطدمت بالشاه وعائلته!

من النقاط التي ذكرها نراغي في كتابه، احتفالات البذخ الضخمة وبالملايين وخاصة احتفال مرور 2500 عام على الدولة الاخمينية، هروب المسؤولين وارسال ثرواتهم إلى الخارج، الخلاف بين أصحاب الخميني والليبراليين والاصوليين من المتعصبين الدينيين وهؤلاء المتعصبين هم من قادوا الى اعدامات لقيادات نظام السابق بدون محاكمات وهم أيضا من سعوا لتوسيع دائرة الخلاف بين طالقاني والخميني حيث كان رجال أمثال بازركان ووزرائه وبهشتي وموتاهاري من المقربين من الخميني توصلوا خلال شهرين من الثورة لمحاولة السيطرة على المحاكم الثورية والحد من احكام الإعدام ولكن بعد الاغتيالات التي قامت بها منظمة المجاهدين تغير الحال وفقدت السيطرة، محاولة الانقلاب الفاشلة للطيارين وعددهم 150 ضابط في قاعدة نوجيه، الحرب العراقية الإيرانية والتي بدئها العراق كطرف معتدي، منظمة الماسنونية وانتهائها واقاله بني صدر وهروبه مع مسعود رجوي بطائرة الجيش الى فرنسا، تحدث عن غموض احتفاظ منظمة المجاهدين منظمة ماركسية تحاول الوصول الى الإسلامية بأسلحة الجيش التي غنموها من الثكنات اثناء حكومة بختيار رغم بيان الخميني والحكومة بتسليم الأسلحة؟!، تحدث عن ثروة الشاه التي تقدر بـــ 5 – 6 مليار فرنك وغيرها من المواضيع.

وفي النهاية يسرد نراغي تفاصيل حياته في السجن واختلاطه مع مختلف التوجهات والتنظيمات وحالة التوبة لألاف من افراد منظمة المجاهدين وينهيها بموضوع اطلاق سراحه أي بعد سنة ونصف بعد طلبه من قبل المدعي العام الذي اعترف له بان السيد الخامنئي بنفسه يسال عن أسباب بقاء نراغي كل هذه الفترة الطويلة دون سبب وعليه قام المدعي العام بالتحقيق للحصول على سبب فختار ان يقول بانشغاله بقضايا الإرهاب والمنظمات وبعد فترة اطلق سراح نراغي في 28 سبتمبر 1983 وحكم ببراته من كل التهم ورفع الحظر حول عودته للجامعة والحكم بحقه بالحصول على رواتب 5 سنوات.

الجمعة، 14 فبراير 2020

في الذكرى الـ31 لفتوى الامام الخميني بقتل المرتد سلمان رشدي - محاولة لقراءة وفهم الابعاد التاريخية لفتوى الامام الشرعية/السياسية



في الذكرى الـ31 لفتوى الامام الخميني بقتل المرتد سلمان رشدي
محاولة لقراءة وفهم الابعاد التاريخية لفتوى الامام الشرعية/السياسية

بقلم أبومحمد – مقال – 14 فبراير 2020

تحل الذكرى الـ31 لفتوى الامام الخميني التاريخية الدينية و"السياسية" بقتل المرتد سلمان رشدي صاحب كتاب "آيات شيطانية"، حيث اصدر الامام الخميني في 14/2/1989 فتوى اهدار دمه لتعديه الصارخ على مقام النبي (ص) والقرآن الكريم.

في السنة الماضية حدثت نقاشات حول هذه القضية ولكن كان ينقصني بعض الاطلاع للوضع التاريخي الذي صدرت فيه هذه الفتوى خاصة وأننا في قراءتنا لهذه القضية والقضايا التاريخية الأخرى دائما ما نسقطها على وضعنا الحالي وهذا خطا نقع فيه دوما في القضايا التاريخية، لذا حاولت الرجوع لعدد من الكتب حول القضية وبعض المقالات التي كتبت والخطابات التي ألقيت في تلك الفترة لمحاولة الوصول الى الابعاد التاريخية لفتوى الامام الشرعية/السياسية.

دائما حين تناولنا هذه القضية تقفز لدينا حولها عده تساؤلات منها على سبيل المثال: لماذا صدرت هذه الفتوى بحق سلمان رشدي؟ كيف يصدر الامام حكم لشخص خارج سلطته وخارج بلده؟ ولماذا لم يكن الرد على سلمان رشدي ردا علمياً بدل الحكم المباشر؟ ماذا كان موقف المراجع في تلك الفترة؟ وهل مسالة الفتوى كانت ضمن حدود التنافس السني/الشيعي للتسيد على الساحة الإسلامية؟ الم يعطي الحكم كتاب آيات شيطانية ومؤلفة حجما لم يكن يحصل عليه قبل الحكم؟ ولماذا حمت بريطانيا وخلفها الدول الأوربية سلمان رشدي وذكرته بانه عنوان ورمز عالمي للحرية وانفقت الملايين في حراسته ودعمه؟ وهل حقا كانت الدول الغربية تسعى لتحقيق مبدا الحرية الفكرية في قضية وقوفها غير المسبوق لدرجة سحب سفراء وقطع العلاقات مع إيران؟ وهل حقا الدول الغربية وعلى راسهم البريطانيين والصهاينة كانوا على راس داعمي تأليف كتاب آيات شيطانية؟

قبل الإجابة على هذه الأسئلة نُذكر ببعض المحطات التاريخية والصراع المحتدم بين إيران والغرب قبل الفتوى:

1- بعد اسقاط الشاه الذي هو حليف الغرب وبعد الترتيب لزيارة الشاه الى أمريكا بداعي العلاج قام الطلبة الإيرانيون باحتلال السفارة في نوفمبر 1979 وعليه أصبحت سمعة وهيبة وصورة الولايات المتحدة الامريكية في اسوء وأضعف حالة وذلك راجع لحالة الارتباك في كيفية التعامل مع هذا الوضع الاستثنائي، خاصة وان صورتها قبل هذه الحادثة كانت أنها اقوى دولة عالمية خرجت بعد الحرب العالمية الثانية، ولهذا التحرك من قبل الطلبة الإيرانيون أسبابه التاريخية خاصة وان الشعب الإيراني لا زالت تسيطر عليه ذكريات عام 1953 وعملية "آجاكس" التي قامت بها بصورة مشتركة الامريكان والبريطانيون وشاه إيران ضد حكومة مصدق.
2- يذكر الكاتب محمد حسنين هيكل في كتابه "مدافع آيات الله" حجم عن التوغل الأمريكي في إيران أيام الشاه، حيث يذكر ان هناك أكثر من 60 ألف خبير ورجل اعمال امريكي في إيران وان حجم التبادل التجاري مع أمريكا وصل الى 400 مليون دولار سنويا وهذا كله ذهب بعد قيام الثورة.
3- بعد الفشل الأمريكي/البريطاني في العودة للسيطرة على مقدرات ايران او إحداث انقلاب داخلي ذهبوا لخطوة أخرى عبر إشعال حرب على ايران وافتعال مسألة العرب/العجم والشيعة/السنة وموضوع تصدير الثورة، فأوعزوا الى عاملهم الطاغية صدام حسين ببدء الحرب والاستفادة من الوضع الداخلي الإيراني الطري بعد الثورة وان الحكومة الايرانية لازالت فتيه وفي اضعف حالاتها وهو ما كشفت عنه الوثائق الغربية التي ظهرت وأثبتت بالدليل القاطع ضلوع امريكي/بريطاني للدفع باتجاه الحرب وهو  أيضا ما كشفت عنه صحيفة نيورك تايمز عام 1980 وذلك بعد شهر واحد من الحرب بان هذين البلدين كان لهم الدور الكبير في التخطيط للحرب ويمكن الرجوع لكل الوثائق التي تثبت التورط الأمريكي/البريطاني لتبيان حجم التخطيط للحرب.
4- قبل شهر من فتوى الامام الخميني بحق سلمان رشدي وبالتحديد في 7 يناير 1989 كانت هناك رسالة من الخميني الى رئيس الاتحاد السوفيني ميخائيل غورباتشوف وجاءت في ظروف الثناية القطبية بين الشرق والغرب الروسية/الامريكية والتي حذر فيها الخميني من نهاية الاتحاد السوفيتي وضرورة التخلي عن الغرب ودعاه للتخلي عن العقيدة الشيوعية وانتهاج سياسة جديدة وتشكيل نظام جديد لمستقبل الاتحاد السوفيتي ومحاولة التحقق بدقه وجدية حول الإسلام والالتحاق به والتذكير بان الماركسية لا تلبي شيئا من احتياجات الانسان الحقيقية لأنها مذهب مادي، وقد ذكر غورباتشوف لصحفي بعد 12 عام من الرسالة "اني أتأسف لعدم تفهمي لتلك الرسالة آنذاك كي لا يقع الاتحاد السوفيتي في هذا الوضع".

هذه بعض النقاط السريعة وهناك الكثير غيرها تبين حجم الصراع المحتدم وعلى كل الساحات بين الغرب ضد أي اتجاه ذو صبغة إسلامية وخاصة إيران وكله كان قبل موضوع كتاب "آيات شيطانية" ونذكر هذه النقاط لنبين ان انطلاق الصراع السياسي الى الجانب الثقافي ليس اعتباط او صدفه وهذا ما سيتبين تباعا في النقاط التالية:

أولا: هل كان هناك إعداد مسبق لتأليف كتاب آيات شيطانية كمرحلة من مراحل الصراع الإسلامي الغربي خاصة بعد قرار (598) الخاص بوقف الحرب الإيرانية/العراقية؟

نعم فبعد توقف الحرب العراقية الإيرانية ضمن القرار رقم (598)، بدأ القادة السياسيون الغربيون نوعاً جديداً من الصراع خاصة وان الحرب العراقية/الإيرانية لم تحقق أهدافهم في القضاء كليا على ايران بل ادركوا بان الحركات الإسلامية الثورية تتنامى بشكل مطرد مثل قيام حزب الله في لبنان، الحركات الجهادية في فلسطين وأفغانستان الخ، والتصاق الشعب الإيراني اكثر بنظامه، لذا لجأوا لتوسيع الصراع ليشمل الجانب "الثقافي والايدلوجي والمعنوي"  للمسلمين ولو لم يكن هناك ردة فعل قوية اتجاه المساس  بالمقدسات وبشخصية النبي (ص) لتم القضاء على اول خندق من خنادق الدفاع الاسلامي وبذلك تضييع الهوية الذاتية للعالم الإسلامي.
ويمكن طرح بعض النقاط وبعض المعلومات التي ذكرت في كتاب "الافك المعاصر" تبين التخطيط المسبق لتأليف الكتاب:
1- رغم العلم بما سيسببه نشر الكتاب من مخاطر محتمله كان هناك إصرار على طبعه ونشره وهذا يدل على ان هناك هدف أكبر من الهدف التجاري للكتاب وأيضا حركة كتابة وطباعة الكتاب وترجمه الكتاب المدعومة رسميا وتوفير الامكانيات الاستثنائية لم تحصل لكتاب سابقا والتبني الغير عادي والرسمي لطبعه ونشره وترجمته في فترات بسيطة لا تتعدى 4 أشهر كانت كلها لهدف هو (الإساءة للمقدسات وللإسلام والرسول والقران) وليست عفوية.
2- حسب المصادر التي كتبت في كتاب "الافك المعاصر" ذكرت ان مؤسسة النشر الرئيسية للكتاب فايكنغ – بنغوين دفعت مبلغ وقدره 850 ألف جنيه إسترليني لسلمان رشدي "كمبلغ مقدم" ليكتب الرواية، وهو مبلغ كبير كمقدم لكتابة رواية وقبل ان يشرع في التأليف أساسا!.
3- حسب ما ذكر من مصدر موجود في كتاب " الافك المعاصر" ذكرت الصحف البريطانية في 9 رجب 1409 انه كان المخطط انتاج سلسلة من الأفلام السينمائية والبرامج التلفزيونية محورها رواية الآيات الشيطانية كما حدث في فيلم (الاغواء الأخير للمسيح) الذي يتعرض باتهامات مباشرة (عقد جنسية) للسيد المسيح، الا ان المشروع أجهض بعد رده الفعل الإسلامية الغاضبة اتجاه الكتاب وهو ما يؤكد النية الخبيثة والمبيته لهذا العمل.
4- مؤسسة فايكنغ – بنغوين عزمت الاعداد ونشر الرواية في تاريخ 26/9/1988 وهو بعد أكثر من شهرين على اعلان إيران الموافقة على قرار 598 بتاريخ 18/7/1988 لوقف إطلاق النار مع العراق وقد بنى الغرب فكرته ان إيران في وضع لا تستطيع وليست على استعداد لمواجهته بهذه الحديه خاصة وخسائر ايران في الحرب كانت كبيرة جدا على كل الأصعدة وأن (ايران الثورية قد تم تقليم اظافرها واخضاعها للمعادلات السياسية الدولية وانها لم تعد على استعداد لمواجهة النظام الدولي دفاعا عن الإسلام)، في حال بدئه خطوات المؤامرة الشاملة لاستئصال الدين والقيم الإلهية والإسلام وهذا ما تبين من خلال التهديد بقطع العلاقات الاقتصادية بعد فتوى الخميني ومسالة سحب السفراء.

وهناك غيرها من المؤشرات التي تبين ان هناك نية واضحة تبينت أكثر بعد الفتوى وبعد تبني الجانب الرسمي للغرب الدفاع المستميت والرسمي عن سلمان رشدي بل وطباعة كتابه!، وهذا ما بينه وذكره الامام الخميني في بيانه بان القضية ابعد من رواية بل هي "مؤامرة معده سلفا وهدفها استراتيجي واسع النطاق وهو استئصال الدين والتدين بشكل عام والإساءة للمقدسات ما هو الا (هدف مرحلي) لتحقيق الهدف الاستراتيجي الاوسع".

ثانيا: لماذا صدرت هذه الفتوى بحق سلمان رشدي؟

هي فتوى استثنائية وفريدة بكل المقاييس وجاءت في ظرف استثنائي في قمة الصراع بين العالم الغربي والاسلامي فحكم الامام الخميني يعتبر واحد من اهم وأبرز المواقف الإسلامية الحازمة في عصرنا الحاضر وامتاز بأجماع إسلامي شعبي لما تمثله قدسية ورمزية القران والنبي لجميع المسلمين وجعل الساحة الغربية في حالة ارباك لم تحدث له من قبل.

فتوى الخميني لم تنطلق من ارادة تطبيق حكم شرعي متعلق بالردة فقط لأنه مثلا يوجد في ايران الكثير من المرتدين وكذلك في العالم العربي والإسلامي بل انطلقت في بعدين (شرعي/سياسي) يتصل بموقع الإسلام والرموز الاسلامية المقدسة في العالم ككل وضد التحدي والحملة الغربية ضد الإسلام ولتهز الضمير الإسلامي دينيا وفكريا من جديد بعد الاسترخاء الذي أصاب المسلمين من خلال انظمتهم وقد استطاع الخميني من خلال حكمه تعريه الكثير من الأنظمة الإسلامية وعلمائها امام الشعوب بعد وقفتهم الخجولة جدا في قضية سلمان رشدي جراء خضوعهم للغرب، لذا يجب وضع حكم الامام الخميني في دائرة الصراع بين الاستكبار العالمي وليس في دائرة حرية الفكر والتعبير .

وأيضا من الناحية الشرعية حيث اجتمعت في سلمان رشدي وكتابه كل شروط الارتداد ومنها أنه أعلن عن ارتداده "علنا" عن الإسلام وأهان أقدس أمرين وهما النبي والقرآن بأشد الإهانة والسباب والأسلوب البذيء والتشوية وهذا الأسلوب استخدمه حتى مع زوجات الرسول ولما احدثه ارتداده وكتابه من فتنة ولكونه واجهة (للكافر الحربي) المعلن والمعادي للإسلام ولما يمثله من خلفية استعمارية لأثارة الجو ضد المسلمين جاءت فتوى الامام الخميني بإعدامه، لما رأى ان هدف نشر الكتاب هو استئصال حاله القدسية التي ينظر لها المسلمون للنبي وعليه قدسية مراجع الدين وهم الذين دائما ما يكونون في الطليعة للتصدي للأطماع الغربية والثورات الجماهيرية.

ثالثا: ما هي النتائج التي كانت (قبل فتوى) الامام الخميني وما (بعد فتوى) الامام الخميني؟

قبل الفتوى:
1- بين نشر الرواية في 2/2/1988 وإصدار الامام الخميني الحكم هناك ما يقارب 5 شهور وهي فترة شهدت مظاهرات واسعة في كل العالم خاصة في بريطانيا ولكن الحكومة البريطانية لم تعبئ بشيء ولم تثمر كل الاحتجاجات في باقي دول العالم بشيء اتجاه كتاب "الآيات الشيطانية".
2- الدول الإسلامية لم يتعدى رده الفعل عندهم سوى منع دخول نسخ من الرواية! ورغم ذلك المنع في غضون (4 شهور) انتشر الكتاب في حركة محمومة في أوروبا وأستراليا واليابان وامريكا وكندا والعديد من دول العالم الثالث وكان سينتشر أكثر لو لم يتم التعامل معه بفتوى الخميني.
3- في يناير/كانون الثاني 1989، أحرق مسلمون في مدينة برادفورد البريطانية علنا نسخا منه. بعد شهر، هاجم آلاف الباكستانيين مركز معلومات أمريكيا في إسلام أباد. وردت الشرطة بإطلاق النار ما أسفر عن مقتل "خمسة أشخاص"، هذه بعض الامور التي حدثت قبل الفتوى.

بعد الفتوى:
1- خلال شهر واحد من فتوى الخميني استطاع نقل القضية من احتجاجات في الجالية المسلمة في بريطانيا واحتجاجات في الهند وباكستان الى احتجاج دولي فكسر الطوق عليها وجعلها امام الشعوب الإسلامية كافة، فلولا الموقف الحازم اتجاه حركة الإساءة ولولا الموقف الإسلامي العام المستجيب والمؤيد لموقف الخميني لما كان بالإمكان تحقيق تلك المكاسب الإسلامية واحباط حركة الإساءة واحداث تلك الحالة الشديدة من الارباك في موقف القوى المعادية.

2- استطاع الخميني تحويل ردود الفعل الإسلامية الى كافة المعمورة الإسلامية وتحولت الى قضية إسلامية عامة بعد ان كانت محصورة في بريطانيا والهند وباكستان واوجد موقف الخميني وعيا إسلاميا عاما وانتقلت الى كل العالم.

3- تحول الموقف الرسمي بعد فتوى الخميني من موقف منع دخول الكتاب لعدد 4 دول ليمتد المنع لجميع الدول الإسلامية وغير الإسلامية التي تضم أقليات إسلامية واضطرت منظمة المؤتمر الإسلامي لوضع موضوع الكتاب على جدول الاعمال اللجنة السياسية للمؤتمر وعليه أصدرت بيانا رسميا ايدت فيه ارتداد سلمان رشدي ودعت المؤتمر الى مقاطعة مؤسسة بنغوين المتصدية لنشر الكتاب وكل هذا جاء مع ان هناك ضغوط غربية لكيلا يصدر موقف شديد من المنظمة وهذا كله لم يحدث لولا فتوى الخميني.

4- حالة الارباك دفعت الجهات الغربية لموقف سياسي بلباس ديني عبر عنه موقف رئيس لجنة الفتوى بالأزهر حيث قال (ان قرار الخميني مخالف للقواعد والأصول الإسلامية ويجب استدعاء الكاتب ومحاكمته) ونسي المفتي ان موقف الإسلام السني اكثر تشددا في مسالة الارتداد من الإسلامي الشيعي وان هناك اجماع إسلامي حول ارتداد من يتعرض للنبي (ص) بالإساءة ولا تقبل توبته وهذا ما اكد عليه الخميني في بياناته اللاحقة للفتوى  لمواجهة حالة تطويق الموقف الإسلامي الغاضب الموحد واثارة البلبلة الداخلية فيه وهو يناقض ما فعلوه اتجاه نجيب محفوظ بعدم إعطاء فرصة للدفاع عن نفسه حول روايته أولاد حارتنا 1959 التي يتعرض بإساءة تقل كثيرا كثيرا فحكموا بارتداده!.

5- حالة الارباك في التصريحات فقد صرح وزير خارجية بريطانيا جيفري هاو بقوله (الخميني قد فاجأنا بتهديداته) وصرح وزير خارجية فرنسا رولان دوما (ان فرنسا صدمت لتهديدات ايه الله الخميني) فهم لم يكونوا يتوقعوا ردا بهذه الصورة والقوة والحزم والوضوح والصرامة التي جاءت لكيلا يتجرأ أحد مستقبلا على التعرض لمقدسات المسلمين.

6- تاتشر رئيسة وزراء بريطانيا في 3/3/1989 تراجعت عن تصريحاتها السابقة بعد إصرار الخميني على فتواه للقول أنها "تتفهم مشاعر المسلمين وانها تتعاطف معهم"، وزير الخارجية البريطاني جيفري هاو 2/3/1989 بالقول " اننا نتفهم سبب امتعاض المشاعر الإسلامية من الكتاب ونحن أيضا نعتبر الكتاب مسيئا فهو يشبه بريطانية بألمانية الهتلرية)، وحتى رشدي نفسه تراجع عن صلافته التي قالها في مقابلة في التلفزيون البريطانية في 25/يناير/1988 انه " بصراحة أتمنى لو كتبت كتابا أكثر انتقادا وإساءة للإسلام" وبعد فتوى الخميني بتاريخ 18/2/ 1989 قال أعرب" عن اسفي لما سببه كتابي من كرب للمسلمين المخلصين" وغيرها الكثير من التصريحات المتراجعة من الغربيين بعد مشاهدتهم لإصرار الخميني ووحدة الموقف الإسلامي مع الفتوى.

7- ذكرت (تاتشر) المسلمين الانجليز بخير، وتظاهرت بالتعاطف معهم، وبعث السياسيون الغربيون وبكل خنوع سفرائهم على طهران واحداً بعد آخر وهم يقدمون الاعتذار، واضطر زعماء الدول الإسلامية إلى إدانة رشدي، وأصبح حكم ارتداده ثابتاً لدى الرأي العام.

8- الكاتب سلمان رشدي حاول التراجع عما ابداه من تشدد عام 1990 في مقال تحت عنوان "بنية حسنة" لكنه لم ينجح في استرضاء المسلمين.

9- بدأ سلمان رشدي الخروج تدريجيا من حياة التخفي في 1991 باسم مستعار وحراسة مشددة لكن مترجمة الياباني قتل في يوليو/تموز من العام ذاته. بعد أيام تعرض مترجمة الإيطالي للطعن قبل أن يتعرض ناشره النروجي لإطلاق نار بعد عامين.  

10- بينت الفتوى فاعلية ودور الجماهير في الموقف الإسلامي في حركة الصراع فان الموقف الموحد يعطي زخما ودورا فعال في احباط المؤامرات المضادة للإسلام.

رابعا: كيف يصدر الامام حكم لشخص خارج سلطته وخارج بلده؟

أولا: لم يكن سلمان رشدي شخصية كبقية المرتدين بل كان يمثل رمزا لخطة غربية تتحرك من اجل مواجهة الإسلام في الصميم وفي أقدس امر عنده وهو ما يمثل ما يعبر عنه (بالكافر الحربي) الذي ارتد وانتقل الى معسكر الاعداء وتبين ايضا من خلال مجريات القضية مدى الدعم الرسمي الغربي لرشدي باسم حرية الفكر الذي يناقض نفسه فيه والدعم والترويج لكتابة البعيد جدا عن المعاجلة والمناقشة الفكرية هذه الحرية الغربية المزعومة تسمح بسب وشتم واهانة "اقدس رموز" لأكثر من مليار مسلم  ولوضع حد لهذه المؤامرة بشكل جاد وفاعل جاءت الفتوى التي تحدت فيه كل القوانين الأوربية وغيرها والتي تقول ان رموز الإسلام وحكم الإسلام لا حدود تقف امامها ليكون رشدي عبرة لكل الذين يتحركون بهذه الطريقة.

ثانيا: ان تطبيق هذا الحكم يضيق من مجال ممارسة القوى المعادية لشرورهم وتنفيذ مؤامراتهم ضد العالم الإسلامي على هذا الصعيد ليس لأنه يقضي بالقتل المادي لشخص المرتد سلمان رشدي بل الأهم من ذلك يقضي بالقتل المعنوي لنوعية الكتاب المرتزقة من أمثال رشدي باعتبارهم أدوات لتنفيذ خطط القوى المعادي، لذلك فمن يفكر او يدفع ويطلب منه القيام بما قام به رشدي سيفكر ألف مره باحتمال ما أصاب رشدي.

خامسا: لماذا لم يكن الرد على سلمان رشدي ردا علمياً فكريا بدل الحكم المباشر؟

هناك فرق بين مناقشة الفكر/دراسة علمية/اجتهاد ديني وبين الشتم والاهانة والسخرية وموضوع كتاب آيات شيطانية هو عبارة عن مسالة انسان يشتم ويسخر عبر رواية تخيلية وبذلك تفقد أدني درجات المحاججه العلمية، فعلى مدى التاريخ لم يكن هناك مشكلة مع من يناقش بصورة فكرية وعلمية أي جهة حتى النبي (ص) ولو ان سلمان رشدي ناقش الفكر الإسلامي او حتى نبي الإسلام لامكن مناقشته وحتى القران بين اننا لا نخاف من النقد عندما بين اتهامات المشركين للنبي (ص) بانه ساحر وكذاب وشاعر  فلا مشكلة من فكر يناقش فكراً، اما فكر يناقش شتيمة او سخرية فذلك امر لا يدخل ضمن حسابات الحوار الفكري العملي.

فهل من حرية الرأي والاعتقاد تزييف الحقائق وإشاعة الأكاذيب والأراجيف، ونشر الأباطيل والجهر بالكلمات البذيئة الهابطة؟ في قاموس هؤلاء هذه حرية رأي واعتقاد!

لا يوجد دين ينفتح على حرية الرأي والاعتقاد كما هو الإسلام، إلا أنه يرفض كل العبث بالحقائق، والتلاعب بالمعايير، والإساءة إلى المقدسات.

لا يفرض الإسلام رأيه على الآخرين ويسمح لهم أن يحاوروا وأن يناقشوا وأن يرفضوا، إلا أن هذا شيء والسب والقذف والشتم، والكذب، والافتراء، والتزييف شيء آخر.
المسألة ليست دفاعا عن حرية الرأي والاعتقاد، وهو يعلمون جيدا أنّ ما جاء به هذا المرتد من افتراءات زائفة لا يعبر عن آراء جديرة بالاحترام والتقدير وإنما هي المباركة والتأييد والاحتضان لكل الحاقدين على الإسلام، ولكل المتمردين على مبادئه وقيمه، ولكل المعادين للمسلمين، مؤسف جدا أن تصدر هذه المواقف من دول تدعيي أنها رائدة الحوار الإنساني، وداعية التقارب بين الأديان!

سادسا: ماذا كان موقف المراجع من فتوى الخميني في تلك الفترة؟

غالبية مراجع الطائفة المعروفين ايدوا فتوى الامام الخميني وبدا ذلك ظاهرا في بياناتهم المؤيدة وهذا الامر لم ينحصر في فقهاء الشيعة بل عموم العالم الإسلامي وحتى بدا تأثير هذا الامر في تأييد منظمة المؤتمر الإسلامي للفتوى وحكم الامام الخميني في بيانهم.

وحتى في البيانات المستنكرة للرسوم الكاريكاتيرية في 2005 والفلم المسيء للنبي في 2012 وموضوع حرق القران في أمريكا في 2010، استذكرت بعض بيانات المراجع فتوى الخميني والتأكيد انه لو طبقت لما وصلت الجرأة بهم لهذا الحال.

اما بالنسبة لحوزة النجف في تلك الفترة، فبعد حادثة اعدام الشهيد الصدر والتضييق الشديد على مراجع الحوزة لم يكن هناك أي تفاعل خارجي للحوزة خاصة ما يرتبط بإيران لان اظهار التفاعل قد يكلف الحوزة بكاملها وهذا ما خبروه من اعدام الشهيد الصدر الأول واغتيال الشهيد الصدر الثاني وتبقى المدرسة الشيرازية بموقف مخالف للفتوى وذلك راجع للتباينات بينهم والسيد الامام.

واليكم بعض ردود بعض المراجع:
1- آية الله الخامنئي: إنّ حكم الإمام بحق سلمان رشدي مبتنٍ على آيات إلهية، وهو محكم كتلك الآيات وغير قابل للخدش. إن سلمان رشدي مجرم ويجب تنفيذ الحكم الإلهي فيه.
2- آية الله الكلبايكاني: أحد الأمثلة البارزة لمؤامرات المستعمرين ضد الإسلام والقرآن، هو تأليف ونشر كتاب الآيات الشيطانية.
3- آية الله صانعي: ليس بإمكان أحد الدفاع عن أمثال سلمان رشدي؛ لان الدفاع عن أمثاله يُعتبر بحد ذاته ارتداداً عملياً وانتهاكاً لكل المقدسات، وهو مدعاة لإهدار الدم.
4- آية الله الموسوي الأردبيلي: لم يكن فعل سلمان رشدي سبّاً وارتداداً عادياً، بل مؤامرة وخطّة، وتعكس في الواقع حلقة من سلسلة متواصلة أوجدها الاستكبار العالمي. وسلمان رشدي هذا مصداق للكافر الحربي أيضاً، بمعنى القيام ضد الإسلام.
5- آية الله اليزدي: يُجمع العامة والخاصة على أنّ سب الرسول (ص) والاساءة إليه، حكمه القتل، ويجب أن يُقتل السابّ. ولهذا فليس ثمّة اختلاف نظري في هذا الأمر الذي يعد قاعدة للحكم.
6- آية الله جنّتي:   كتاب الآيات الشيطانية ليس رواية عادية كتبها مؤلف عادي، بل يجب النظر إليه كمؤامرة عالمية واسعة ضد الإسلام.
7- آية الله اللنكراني: فإني أفتخر وأعتزُّ ببيانين؛ أحدهما ما كنت أصدره بمناسبة استشهاد السيدة الزهراء (سلام الله عليها) لسنوات عديدة، أما الآخر فهو الذي أصدرته بمناسبة عدم جواز نقض حكم الإمام الخميني (قدس سره) حول ارتداد سلمان رشدي ووجوب قتله، في حين كان بعض المُتَعَصْرِنين يتخيلون أن المصلحة تقتضي المسايرة في قضية سلمان رشدي والتغاضي عنها، مهيِّئين المقدمات اللازمة لها فواجهتهم وقاومتهم بشدة.
8- آية الله فضل الله: إذا كانت هناك بعض السلبيات التي أصابت إيران، أو السمعة الإسلاميّة العامّة، من خلال الهجمة الدولية السياسية أو الثقافية، فإنّ الإيجابيات كانت كثيرة، وقد هزّت العالم من أقصاه إلى أقصاه، في معركةٍ ثقافيةٍ سياسيةٍ بحجم المرحلة، واستطاعت أن تُدخلنا في تجربةٍ جديدة لا بدَّ، وبكلمةٍ واحدةٍ، إنَّ علينا أن نضع هذه الفتوى في دائرة المعركة المفتوحة مع الاستكبار الغربي والكفر العالمي، لا في دائرة حرية الفكر.
9- آية الله جوادي الآملي: هذا الحكم ليس مجرد فتوى حتى يعرض بشأنه حديث البقاء على فتوى الميت، بل هو حكم قضائي، يكون وجوب تنفيذه على الوالي.
10- الشيخ الرفسنجاني: كان كتاب الآيات الشيطانية افرازاً لمؤامرة عالمية أسوء من الحرب المعلنة.

سابعا: الحملة المنظمة الغربية للترويج لكتاب "آيات شيطانية":

لقد كانت هناك حملات اعلامية وترويجية وعلى مستوى رسمي لم يسبق له مثيل للترويج للكتاب في وسائل الاعلام الغربية خاصة كتقريرات مفصلة في الصحف عن الكتاب، الدعوة وترشيح الكتاب للفوز بجائزة الادب في لندن، التمجيد المبالغ فيه للرواية مثل صحيفة الساندي تايمز ذكرت (انه قطعة فنية رائعة في شكل رواية تعتبر اكثر طموحا من أي عمل اخر كتب!)، صحيفة اللوموند الفرنسية (ان سلمان رشدي روائي واديب من الدرجة الأولى، وان الكتاب هو رواية عالية المستوى ونص ادبي ممتاز!)، ثلاث صحف فرنسية نشرت مقاطع من الكتب في وقت واحد وهي "الليبراسيون،افنمودي دي جودي، لنوفيل ابزرفاتور" ما يشبه تنسيق اعلامي لنشر الكتاب وغيرها.

ثامنا: التناقض بين ادعاء الغرب حماية الحرية الفكرية بوقوفها مع سلمان رشدي وبين حقيقة الموقف الرسمي والحقيقي للغرب:

لقد دافعوا عنه باسم الحرية الفكرية ولكن الحقيقة تكشفت مع الوقت انه كان مجرد اداه وواجهة استعملت ودعمت لأجل ضرب المقدسات الدينية، وهنا نشير لبعض النقاط التي تدل على الدعم الرسمي اللا-محدود لسلمان رشدي:

1- سلمان رشدي هو شخص محسوب على التيار اليساري الغربي الذي يضم مجموعة ضغط صهيونية معروفة بتوجهاتها الصهيونية الحادة (مجلة العالم العدد 264)، لذا نعرف لماذا الدعم اللا-محدود له.

2- سحب السفراء الأوربيون بعد 5 أيام من الفتوى، دعت بريطانيا الدول الأوربية لسحب سفراءها من إيران واول دولة بدأت به بريطانية في 20 شباط 1989 وقد هدد وزير الخارجية البريطاني وقال (على إيران ان تتخلى عن فتوى الخميني والا فان بريطانيا غير مستعدة للحفاظ على علاقاتها معها)، وعمل الغرب على حصار اقتصادي على إيران.

3- خطوة سحب السفراء والحصار الاقتصادي وضحت بجلاء الخلفيات الحقيقية للدعم بتحويل القضية الى قضية سياسية كبرى، وبذلك استطاعت الفتوى ان تكشف الخلفيات السياسية التي كانت وراء كتابة الكتاب، وأنَّ الدول الغربية لازالت تعيش عقليّة مبغضة للإسلام بحمايتها لشخص واحد قبال مليار مسلم، وإلا ما معنى الموقف الرسمي للدول الغربية كلها من الكتاب ولأجل حماية شخص واحد؟! في المقابل لا تقف لحماية مقدَّسات مليار مسلم.

4- اعلان إسرائيل استعدادها لاستقبال رشدي وتوفير الحماية اللازمة له، هذه الخطوة أوضحت وبينت الأضواء على الهوية الصهيونية لرشدي والدور الصهيوني في حركة الإساءة للمقدسات.

5- أعلنت حكومة إسرائيل في 20/2/1989 انها ستعمد الى ترجمة رواية الآيات الشيطانية الى العبرية.

6- صحيفة الصنداي اوبزروفر نشرت في 26/2/1989 خبر مفاده ان الموساد الإسرائيلي قدم لسلمان رشدي عرض حمايته مدى الحياة.

7- مؤخرا منح "لقب فارس" لسلمان رشدي من قبل الملكة إليزابيث الثانية في 2007 جراء ما سموه بالخدمات التي قدمها في مجال الأدب! فأي خدمات غير قضيته وكتابه المعروف "آيات شيطانية"! وألا يؤكد منح هذا اللقب لهذا الشخص التوجه العام والرسمي والدعم اللا-محدود لرشدي؟!.

التناقضات الصارخة للدول الغربية من وقوفها مع سلمان رشدي:

1- ذكر في كتاب "الافك المعاصر" أن سلمان رشدي نفسه كان أحد الكتاب البريطانيين الموقعين على ما عرف بميثاق 88 والذي يتضمن انتقادات عنيفة لما وصف بالرقابة الصارمة التي تفرضها حكومة تاتشر وتمنع بموجبها نشر العديد من الكتب والمقالات الصحفية.! فأين حرية الفكر؟!.

2- من يشكك في حدث تاريخي كمحرقة اليهود (الهولوكوست) من أي جهة كبحث علمي أو صحفي أو مجرد الخوض بحديث يشكك في حدوثها فمصيره السجن! فأين حرية الفكر؟! الهولوكوست يعتبر عندهم أعظم من إنكار وجود الله سبحانه وتعالى! انها الازدواجية والانتقائية في ابها صورها! في فرنسا هناك قانون جيسو-فابيوس وهو قانون يسمح بمعاقبة كل من يناقش أو ينفي الجرائم التي ارتكبت في حق اليهود ابان الحرب العالمية الثانية مما يعتبر هذه الحادثة لوحدها فقط أكثر من مقدسة! وهو أيضا مخالف للدستور الفرنسي والاعلان العالمي لحقوق الانسان لأنه اوجد عنصرية وتفرقة لصالح فئة واحدة من ضحايا هتلر، وقد عوقب المفكر الفرنسي "روجيه جارودي" لنشرة كتابه بعنوان (الاساطير المؤسسة للسياسة الإسرائيلية) وحكم عليه بغرامة (20) ألف دولار مع السجن لمدة عام فقط لأنه دعا لمراجعة عدد ضحايا الهولوكوست كما حكم بالسجن من ينشر الكتاب في اوروبا، وفي المانيا يحكم على منكر الهولوكوست بالسجن (5) سنوات.

3- ممنوع لأي أحد ان يرفع شعار النازية او يروج لأفكار النازية كما في المانيا مثلا (يحضر بيع او شراء او طباعه او توزيع أي مقال او كتب او هتافات) ولو على سبيل المزح مؤيدة للنازية! ولكن ليس للمسلمين نفس ذات الحق من اجتثاث من يسب ويهين مقدساته؟!.

4- مقدسات المسلمين مباحا ولا يعاقب عليها القانون في الغرب باسم حرية التعبير مثلا ما قامت به صحيفة دانماركية ( جيلاندس بوستن ) 30 سبتمبر 2005م وهي صحيفة معروفة وذات مصداقية كبيرة لدى الشعب الدانماركي على إعلان مسابقة لرسم أفضل كاريكاتير يسئ للرسول (ص) وتم نشر مجموعة من هذه الكاريكاتيرات على مدار عدة أسابيع، وبمعرفة من الحكومة الدانماركية، وموافقتها بل وتأييدها، وبتفاعل الرأي العام الدانماركي معها، وعند اعتراض الجالية الإسلامية بالدنمارك جوبهت بتضامن كل الهيئات الحكومية مع الصحيفة على خلاف القانون الدنماركي الذي يحظر أي تهديد أو إهانة أو حط من شأن أي إنسان بصورة علنية، بسبب الدين أو العرق أو الخلفية الإثنية، وهذا ما شجع صحيفة أخرى وهي «مغازينات» النرويجية بإعادة نشر هذه الكاريكاتيرات في 10 يناير 2006م فهذه هي شعارات حرية التعبير والفكر المسموح بها عندهم.

5- في بريطانيا يتم التعامل مع المقدّسات وفق قانون خاص يسمى ( LAW BIASPHEMY ) الذي يمنع سب المقدّسات ومنها فقط المسيحية! فعندما أعلن مخرج دانماركي اعتزامه إخراج فيلم في إنجلترا عن الحياة الجنسية للمسيح أدى ذلك إلى موجة غضب واطر المخرج للتراجع، ولكن عندما عزم المسلمون في بريطانيا أن يرفعوا دعوى قضائية ضدّ (سلمان رشدي) ذكروا لهم بان القانون خاص بالمقدسات المسيحية وامر "سلمان رشدي" يندرج في إطار حرّية التعبير !

وغيرها العشرات من القضايا والمواقف كالحجاب ومنع بث قناة المنار وغيرها التي تبين ان هناك ازدواجية فاضحة حين الحديث عن حرية التعبير في الغرب وتبين ان "التابو" الذي في عقولنا عن حرية التعبير في الغرب سيصطدم بوقائع عملية حين ننظر بعيون غير مشوشة.

تاسعا: هل مسالة الفتوى كانت ضمن حدود التنافس السني/الشيعي للتسيد على الساحة الإسلامية؟

الفتوى جاءت بعد ما يقارب 5 شهور من صدور الكتاب وبعد الردود الخجولة في العالم العربي من حكام وعلماء وجاءت لان المستهدف هو جميع المسلمين فنبرى السيد الامام الخميني ليحدث هزة في كل هذا الواقع، فلو كان الهدف التسيد لكان سباقا لإعلان الفتوى وأولهم ولم ينتظر فترة ليرى ردود الأفعال في العالم الإسلامي اولاَ!

واظهرت الاحدث التي نتجت عن هذه الفتوى أن المجتمع الاسلامي امة واحدة، وان المسلمين رغم اختلافاتهم الداخلية والجزئية إذا توافرت لهم قيادة حكيمة يستطيعون ان يلعبوا دوراً فاعلاً في حركة احياء القيم الدينية وعلى مستوى العالم.

عاشراً: الم يعطي الحكم كتاب آيات شيطانية ومؤلفة حجما لم يكن يحصل عليه قبل الحكم؟

على عكس ما يروج له بان فتوى الخميني أعطت مساحة أكبر لانتشاره في "ذلك الوقت" الذي صدرت فيه، بل ان غالبية دور النشر والدول ومنها الكبرى ومثال روسيا وهولندا وكندا واضطرار كبرى مؤسسات بيع الكتب في أمريكا (ولدن بوك) بتاريخ 17/2/1989 أي بعد 3 أيام من الفتوى وقف بيعها حفاظا على امن موظفيها ومجموعة من دور النشر الغربية في المانيا إذا كلها تراجعت عن نشرة وتبنيه بعد فتوى الخميني.
كانت هناك حالة تراجع في انتشار الكتاب وفي مواقف التبني الغربي السابق للرواية وغيرت حتى اللهجة من المعارضة ضد الاحتجاجات ضد الرواية الى تصريحات تفهم لما يشعر به المسلمون من الإساءة وهذا كله بعد أسبوعين من الفتوى!

صرح وزير خارجية روسيا ادوارد شيفردنازة (أعلن عن اسفي واستغرابي للفتوى وأعلن رسميا قرار نشر الكتاب في الاتحاد السوفيتي من باب حرية التعبير) بعد بيان الخميني الثاني بشأن التأكيد على قتل رشدي تحول الموقف الروسي الى الصمت والحياد حتى انها رفضت طلب الغرب بالتوسط لدى طهران تجنبا لغضب إيران اتجاه روسيا. وقد تراجعت عن نشر الكتاب ومنعت نشره حيث صرح ميخائيل نيناشيف رئيس لجنة النشر وتجارة الكتب في الاتحاد السوفيتي خلال وجوده في نيودلهي ان (بلادة لا تنوي نشر كتاب الآيات الشيطانية موضحا ان بلادة مع مبادئ عدم نشر كتاب يهين الشعور الوطني او الديني لأي امه في العالم).

ولم يتم انتشاره بصورة واضحة وعلنية وواسعة، إلا بعد اعلان الرئيس الإيراني الإصلاحي السابق محمد خاتمي أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة بنيويورك عام 1998 أن قضية رشدي "انتهت تماما" للحكومة. وإعلان وزير الخارجية كمال خرازي آنذاك أن إيران الحكومة لن تهدد حياة الكاتب أو تشجع الآخرين على قتله.

الحادي عشر: هل للفتوى تأثير؟ خاصة وأنها لم تنفذ؟

على الجانب الشخصي:
سلمان رشدي عاش الموت عشرات المرات جراء الفتوى واليكم بعض الأمثلة:
1- على مدى نحو 13 عاما، تنقل بين مساكن سرية متعددة تحت اسم مستعار هو جوزف أنطون، بحيث غير مكان إقامته 56 مرة خلال الأشهر الستة الأولى. 
2- رشدي في مذكراته في 2012 تحت عنوان "جوزف أنطون" كتب يقول "أنا مكمم ومسجون لا يمكنني حتى الحديث. أريد أن أركل كرة في حديقة مع ابني. حياة عادية مملة: هذا هو حلمي المستحيل".
3- لمجرد علاج اسنان وضع حراسه في إحدى المرات خطة معقدة لنقله إلى المستشفى لمعالجة أسنانه. وأوضح رشدي "أحضروا سيارة دفن موتى وكانوا سينقلونني مخدرا في كيس مخصص للموتى". إلا أنهم لم يضطروا في نهاية المطاف إلى اللجوء إلى هذه الحيلة.
4- كان للعيش في الخفاء تأثير كبير جدا على حياته الخاصة فقد انفصل عن زوجتيه الثانية والثالثة معترفا أنه خانهما.
5- نشرت مجلة «لير» الفرنسية مقالات تحت عنوان «حياة سلمان رشدي على مدى 24 ساعة» بقلم «كارتين ارغان» وفيها «لم ينم خلال هذه السنوات الخمسة ولا حتّى ليلتين متتابعتين على سرير واحد، إنّ سلمان رشدي محروم من الورقة الانتخابية بسبب عدم وجود مكان محدد لإقامته في بريطانيا، يلتقي رشدي بأحد أصدقائه بين الفينة والأخرى، وفي كل مرة يحاط موضع اللقاء بتكتم كامل، ويُفتّش المكان مسبقاً بدقّة تامة من قبل الشخصين اللذين يتوليان حراسته ويلازمانه على الدوام» ونقلاً عن هذه المجلة: «إن سلمان رشدي ذهب إلى السوق مرة واحدة منذ خمس سنوات لابتياع الملابس، وهو يعيش متخفياً بسبب شدّة الذعر والقلق.
6- مجلة "لير" الفرنسية «التدابير الأمنية المتخذة لحمايته تكلف مبلغ نصف مليون دولار سنوياً، يدفع رشدي ثلثه. وطالما بقي هذا الكاتب مرغماً على عدم السير في أي شارع، ولا مشاهدة أي فيلم سينمائي، ولا ارتياد أية مكتبة، يبقى حذاؤه جديداً وبراقاً على الدوام. وحالة السكون هذه تزيد من وزنه».   وواصلت هذه المجلة الفرنسية مقالتها بالقول: «إنّ ليالي رشدي طويلة ولا أحد يعرف عنوانه، ولا حتى أصدقاؤه الكتّاب، ولا أمّه التي تعيش في الباكستان، ولا أخواته الثلاثة اللاتي تعيش إحداهن في بريطانيا، ولا زوجته السابقة، ولا ابنه الوحيد البالغ من عمره 15 سنة، والجهة الوحيدة التي تعرف محل سكناه هي الشرطة.

على الجانب العام نذكر بعض الأمثلة:
1- فرض تأثير الفتوى والموقف الاسلامي العام على منظمة المؤتمر الإسلامي اعلان رسمي بتأييد الحكم الصادر من الخميني.
2- يذكر المدير العام الاسبق لمؤسسة شهيد الثورة الاسلامية «محسن رفيق دوست» في الجزء الثاني من كتابة «أقول للتاريخ» " ان هذه الفتوي تركت أثرا كبيرا للغاية على الساحة العالمية، وقد زار طهران وفد سعودي، وكان ضمن هذا الوفد أيضا العالم السعودي الدكتور محمد عبد يماني الذي كان يقول ان الامام الخميني أعاد العزة الى المسلمين من خلال اصداره فتوي اهدار دم سلمان رشدي".
3- اِلفين تافلر-عالم ومنظّر أمريكي معروف: "عندما أصدر الإمام الخميني(رض) فتاوى إهدار دم سلمان  رشدي في الواقع كان يرسل رسالة تاريخية لجميع قادة العالم عجز عن تحليلها الكثيرون فلم يكن المحتوى الأساسي لرسالة الإمام شيء سوى حلول عصر جديد من الحكم العالمي، ينبغي على الغرب أن يدرسوه بدقة.

الثاني عشر: هل لا زالت الفتوى قائمة الى يومنا هذا؟

نعم فقد التأكيد عليها مرارا من قبل بعض المراجع ومن قبل السيد الخامنئي في خطابه عام 2005 هذا من جانب الجهات الدينية العليا في إيران اما في الجانب الرسمي فمند إعلان خاتمني عام 1998 أن قضية رشدي "انتهت تماما" للحكومة بذلك أصبحت الحكومة معفية من تنفيذها او تبنيها للفتوى وطبعا جاء ذلك بضوء اخضر من السيد الخامنئي.

مراجعة لكتاب د. محمد مجتهد شبستري "نقد القراءة الرسمية للدين"

مراجعة لكتاب د. محمد مجتهد شبستري "نقد القراءة الرسمية للدين" أبو محمد – مراجعة كتاب – 17 مارس 2020 في البداية يجب ع...