الرق في الإسلام وكيف تعامل معه
هذا البحث القصير هو نتيجة الاطلاع على عدة مصادر منها:
1.
كتاب الإسلام وتحرير العبيد – المرجع ناصر مكارم الشيرازي 1995م
3.
اسياد العبودية - حقائق بين التلفيق والتوثيق – د محمد إبراهيم ابداح 2016
4.
محاضرة (الإسلام وظاهرة الرق) - السيد منير الخباز 2014
بقلم أبو محمد 29 يناير 2019
في الأيام القليلة الماضية تم ارسال مقطع فيديو لأحد السادة في أحد مجموعات
الواتساب يتحدث حول تفسير للآية 24 من سورة النساء (والمحصنات من النساء إلا ما
ملكت إيمانكم) حيث فسر فيها ملك اليمين حسب "بعض" الروايات وكيف التعامل
معهم في بداية الدعوة الإسلامية، هذا الفيديو وغيرها من الإشكالات التي تذكر في
الداخل الإسلامي ويذكرها الغربيين عن مسألة الرق في الإسلام دفعني للبحث أكثر حول
الموضوع لذا وضعت أسئلة البحث للوصول الى إجاباتها وهي:
1.
متى بدا الرق؟
2.
متى كانت ذروة الاسترقاق في العالم؟
3.
متى أنتهى وأعلن رسميا؟
4.
لماذا لم يلغي الإسلام في بدايته الرق؟
5.
كيف عالج الإسلام ظاهرة الرق؟
6.
كيف كانت ظاهرة الرق في الأديان الابراهيمية؟
1- في
البداية دعونا نتحدث حول ظاهرة الرق متى بدأت؟
ظاهرة الرق ليس لها تاريخ محدد فهي ظاهرة قديمة متجذرة في تاريخ الإنسان
يقول المؤرخ الأمريكي ويل ديورانت صاحب موسوعة (قصة الحضارة) أن الرق بدا مع تحول
الانسان من الصيد الى الزراعة، إذاً الرق قديم قدم البشرية ولم تشرعها شريعة
دينية.
2- متى
كانت ذروة الاسترقاق في العالم؟
كانت ذروة ممارسة العبودية وظاهرة الاسترقاق في فترتين في الحضارة الغربية
الأولى في الإمبراطورية الرومانية (500 ق.م – 500 م) والتي ذكر فيها ان عدد العبيد
كانوا اكثر عددا من الاحرار والفترة الثانية بين القرنين السادس والسابع عشر
ميلادي خاصة مع اكتشاف أمريكا وغزو الأوربيين للعالم الجديد في تلك الفترة، ثم
اخذت تقل تدريجيا في القرنين التاليين الـ18-19 وقدرت الأرقام الكلية للرق من 12– 17
مليون من القارة السوداء أخذوا عن طريق الغزو أو الخطف يموت منهم حوالي 15 – 25%
عبر الشحن بالسفن بسب سوء التغذية والامراض وفي أمريكا اخذت العبودية شكلا اخر حيث
بدأت بجلب الرقيق الافارقة وبدأت عمليات إبادة للسكان الأصليين (الهنود الحمر) بالقتل
وبالأمراض التي جلبها الاوربيون مثل الجذري والحصبة حسب ما جاء في كتاب (العبودية
في العصر الحديث) لمؤلفتها باتريسيا
ديلبيانو ، وحول انخفاض ظاهرة الرق والعبودية في
القرنين الـ8-9 عشر يرى المرجع ناصر مكارم الشيرازي في كتابة (الإسلام وتحرير
العبيد) ان تطور الصناعة وإيجاد الآلات واكتشاف الطاقات الجديدة في القرنين الثامن
والتاسع عشر احد الأسباب الهامة نحو الغاء العبودية"، ويتفق هذا الرأي مع رأي
المؤرخ الأمريكي ويل ديورانت صاحب موسوعة (قصة الحضارة) إذ يقول في موسوعته "لم يكن اضمحلال نظام الاسترقاق
ناشئاً عن ارتقاء الأخلاق، بل كان نتيجة تطورات اقتصادية. فقد تبين أن الإنتاج
الذي يؤدي إليه القسر الجسماني المباشر أقل ربحاً وأشد صعوبة من الإنتاج الذي يكون
الحافز عليه هو الرغبة في التملك".
كانت العبودية في الجسد الأمريكي تعتبر سرطانا ضخما حيث ان مدن مثل
الالباما وكارولينا الشمالية والميسيسبي خلال منتصف القرن التاسع عشر يوجد أكثر من
90% يعيشون العبودية.
أشار العديد من الدارسين ان العتق في أمريكا كان نتيجة مشتركة بين الحرب
التي خاضها الرأسماليون في الشمال متحدين مع الطبقة العمالية ضد حكم الأقلية
الاقطاعية المؤيدة للعبودية في الجنوب.
اما في الحضارة الإسلامية فكانت قمة الرق والعبيد في عصر الفتوحات
الإسلامية في الدولة الاموية عصر اكبر توسع للدولة الإسلامية وكان احد أسباب
سقوطها الثورات المتتالية من ثورة الامام الحسين (ع) والتوابين وثورة المختار الخ
من الثورات التي كان احد اهم عناصرها العبيد ومن ضمن أسباب سقوطها اشتراك الموالي/
العبيد مع العباسيين في الثورة ضدها وانتشرت تجارة النخاسة بصورة واسعة في ظل
الدولة العباسية والتي كانت اشد في التعامل مع العبيد وفيها حدثت ثورة الزنج التي
امتدت لأكثر من 14 عام في القرن التاسع ميلادي حيث كانت مكونة اكثرها من العبيد ويُذكر
انه راح ضحيتها ما يقارب نصف مليون قتيل ومنها الثورة الخرمية او البابكية التي
استمرت لمدة 22 سنة جل أصحابها من العبيد والفلاحيين المطالبة بالحرية والعدالة
والمساواة وتحريم الاسترقاق مما أدى لضعف الدولة العباسية وقيام دولة المماليك وهم
العبيد الذين اكثرهم من الترك والمغول وغيرهم واستمرت أسواق النخاسة الى زمن الدولة
العثمانية ووصلت الجواري او ما سمي بحريم السلطان لإدارة شئون الدولة وهذا يبين
الحجم الكبير للرق والعبيد في الدولة الإسلامية ومدى تغلغلهم فيها حتى وصلوا
للحكم.
3-
متى أنتهى الرق وأعلن ذلك
رسميا؟
في فترة رئيس الولايات المتحدة الأميركية "إبراهيم لينكولن" الولايات بدأت
الحرب الاهلية في فترة بين 1861-1865 والتي كان احد أسبابها وصول رئيس يدعم تحرير
العبيد وسقط فيها ما يقارب من 600 – 800 ألف
شخص راحوا ضحايا وهو اكبر عدد ضحايا مند تأسيس الولايات المتحدة الامريكية الى
اليوم، وفي 1863 اعلن لينكولن تحرير العبيد رسميا واعلن في 1865 تحرير العبيد بشكل
رسمي ولكن كان هو ضحيته فاغتيل الرئيس الأمريكي ابراهام لينكلولن وشهد في نفس
العام ميلاد جمعية (كو كلوكس) العنصرية ولكن كانت العبودية بصورة أخرى عبر
العنصرية والتمييز الفاقع بين الأسود والأبيض وفي فترة الرئيس الأمريكي "جون
كيندي" الذي تحرك لإصدار قانون الغاء التمييز العنصري بعد احتجاجات كبيرة بين
السود والبيض وسلسلة احتجاجات قادها المناضل الأسود مارتن لوثر كنغ واغتيل أيضا
الرئيس جون كيندي لهذه المحاولة في عام 1963 وفي العام 1965 أقر نائب الرئيس جون
كيندي "ليندون جانسون" والذي
اصبح الرئيس بعد اغتيال كيندي الغاء التمييز العنصري والعدل والمساواة بين الجميع.
بعض المعلومات اخذت من (كتاب العبودية في العصر الحديث).
واما في الدول الغربية فاحتاجت اعلان اخر كان بعد الحرب العالمية الأولى في
1919 في اتفاق سان جرمان والذي ينص على المنع الكامل لنظام الرق وعمم ذلك بعد
تشكيل عصبة الأمم المتحدة والعمل الدولي حيث قامت بمنع الرق بكل العالم حيث بعد
جهد وبعد انتهاء الحرب العالمية الثانية تم انشاء هيئة الأمم المتحدة في عام 1948 وفي
ديباجة الإعلان العالمي لحقوق الانسان والبالغة 30 مادة والتي تعد ترجمة حرفية
لتعاليم ومبادئ الإسلام خصوصا في ما يتعلق بحقوق وواجبات الانسان وحقوق اسرى الحرب
التي شرعها قبل 14 قرنا من اتفاقيات الأمم المتحدة لحقوق الانسان وفي عام 1956م أصبح
الرق عملا غير مشروع في العالم كله.
واما بخصوص الدول الإسلامية فأول بلد عربي إسلامي يلغي العبودية بصورة
رسمية كان تونس في سنة 1846 ميلادية في عهد الملك أحمد باي وبالنسبة للدول
الخليجية فجاء في كتاب (لمحات عن التطور الفكري في جزيرة العرب في القرن العشرين)
لمؤلفه فهد المارك ص 62 بشأن تحرير الرق انه جاء في عهد الملك سعود سنة 1962.
العبودية عادت بصورة أخطر وأكثر رعبا بعد ان كان لأفراد أصبحت لمستعمرات
وشعوب! فأصبح لدينا عبودية جماعية تحت اسم الاستعمار وهنا نلاحظ ان الدولة السباقة
في اوروبا لإلغاء العبودية كبريطانيا كانت المتقدمة في موضوع الاستعمار للأقاليم
كالهند وغيرها.
المرجع الشيرازي في كتابة (الإسلام وتحرير العبيد) يذكر قول للدكتور.
كوستاولوبون في كتابة (تاريخ الحضارة) عن استعمار بريطانيا للهند "انها أصبحت
اعلى درجة من الفقر والفاقة" وكذلك معاملة فرنسا مع مستعمراتها في الشمال
الافريقي كالجزائر مثال واضح للعبودية.
فتعامل الغرب الذي يرمي الإشكالات على تعامل الإسلام مع العبيد يرد عليه
بما فعلوه في حروبهم الأخيرة كالحرب العالمية الثانية حيث عاملوا المنهزمين معاملة
أسوء مما يعامل به العبيد.
وتذكر باتريسيا
ديلبيانو في كتابها (العبودية في العصر الحديث)
" ليس مصادفة ان تتفق نهاية العبودية الأطلسية زمنيا مع مؤتمر برلين (1885م)
الذي الزم أعضاءها في القضاء على تجارة الرقيق والعبودية في الوقت نفسه لتنظيم
التقسيم الاستعماري لأفريقيا حيث تحولت الحركة المناهضة للعبودية الى اداه لتبرير
الهيمنة الجديدة " النزعة الامبريالية".
روح العبودية تتشكل بأشكال جديدة دوما والفرق أكثر ما يكون في اسمائها
وعناوينها ما دام عنوان القوي والضعيف موجود في العالم.
4- لماذا
لم يلغي الإسلام في بدايته الرق؟
ظهر الإسلام في مجتمع يعيش فيه العبيد اسوء الظروف وفي مجتمع لم يمنح
النساء حق الحياة بل بوأدهن وهم احياء مجتمع يعتمد بشكل كلي على العبيد في الاقتصاد
فالذي يمارس الزراعة والصناعة والتجارة والحمل كله على الرقيق والاحرار ما كانوا
يعملون أصلا ففي تلك الفترة كان الحر ملاك يملك، لذا يجب ان نعرف الزمان الذي
تعامل معه الإسلام مع الرق، فلو أصدر الإسلام قرار مباشر لإلغاء العبودية في ذلك
العصر الجاهلي المضطرب فسيتأثر الاقتصاد بشكل مباشر ويصاب بالشلل التام وربما تكون
هناك اضطرابات اجتماعية او حروب دموية كما حصل في أمريكا في زمن ابراهام لينكولن بعد
1000 سنة من تعامل الإسلام مع الرق وراح ضحيتها عدد قتلى لم يحدث في تاريخ أمريكا
ليومنا هذا ولكان أيضا هناك عدد كبيرا منهم عاطلين عن العمل ودون ملجئ او مأوى لذا
عالج الاسلام هذه الظاهرة وألغاها بطريقة التدريج حفاظا على عجلة الاقتصاد والسلم
الاجتماعي وكما تعامل مع التشريعات الأخرى كما في تحريم الخمر مثلاً فنلاحظ انه
استغرق عشرين سنة تقريباً وكان على ثلاث مراحل بعد السكوت عنه لسنوات وهكذا كان
التدرج بتهذيب المجتمع ومنع المفاسد والتطبيق التدريجي للأحكام الإسلامية للقضاء
على هذه الظاهرة هو التعامل الأمثل لتلك الفترة وحتى هذا التدرج لو دققنا لم تسلم
فيه الدعوة الاسلامية حيث كان أحد أهم اسباب الرفض والحرب للدين الإسلامي هو
مساواة العبيد حيث قال كفار قريش (إن محمداً قد أفسد علينا عبيدنا وساوى بيننا
وبينهم).
يقول المرجع ناصر مكارم شيرازي في كتابه (الإسلام وتحرير العبيد) أن
"البرنامج الذي وضعه الإسلام لتحرير العبيد برنامج محكم ورصين وفعال، ومصون
من كل ألوان ردود الفعل، تقوم على أساس الحرية التدريجية أي انه نظم برنامجا يتحرر
العبيد بموجبة تدريجيا وينضموا الى المجتمع" وهو ما اشبه اليوم وباللغة
العصرية (بالمرحلة الانتقالية) لان الحرية هي الأصل الأساسي والحرية بلا رد فعل.
وينقل الشيرازي ما كتبة المؤرخ المسيحي جرجي زيدان في كتابة (تاريخ التمدن
الإسلامي) "أن الإسلام جاء رحمه للأرقاء فأوصى النبي بهم بقوله (لا تحملوا
العبيد ما لا يطيقون واطعموهم مما تأكلون، لا يقل أحدكم عبدي وأمتي وليقل فتاي
وفتاتي)".
5- كيف
عالج الإسلام ظاهرة الرق؟
لو تصورنا ان هناك بناية تحترق بالنار وطلب منك انقاذ الناس
داخل هذه البناية فكيف تتصرف؟ أولا نحاول عبر خطوات في البداية محاولة اخراج الناس
عبر فتح النوافذ والابواب ثم دفع الماء لداخل المبنى واطفاء النار ثم أخير ا إزالة
كل المواد القابلة لإرجاع النار مره أخرى. تقريبا هذا ما عمله الإسلام الذي وجد أن
نار (الرق) مشتعلة في كل المعمورة فأولا فتح الأبواب على مصراعيها للعتق وثانيا "ضيق"
دائرة الاسترقاق وجعلها فقط في الحروب (المشروعة والدفاعية) وجعلها من باب
المعاملة بالمثل في الحروب بأخذ أسرى وتكون بمثابة ما يسمى اليوم ورقة ضغط سياسية
في عملية تبادل أسرى أو غيره وقد ذكر ذلك في القرآن بسورة محمد الآية 4 | (فإذا
لقيتم الذين كفروا فضرب الرقاب حتى إذا أثخنتموهم فشدوا الوثاق فإما منا بعد وإما
فداء حتى تضع الحرب اوزارها) فإما إطلاق سراحه بدون قيد او شرط او فداء دفع مبلغ
مالي أو استرقاقه ويعتبر الأسير أمانه إلاهية بيد المسلمين وثالثا إزالة كل أسباب
الاسترقاق .
يذكر السيد منير الخباز في محاضرته بعنوان (الإسلام وظاهرة
الرق) أن الإسلام جعل الاسترقاق في حالة (واحدة فقط) وهي الاسرى من الكفار وفقط
“الكافر الحربي المصر على حرب المسلمين" الذي يرفض الدعوة لدخول الإسلام او
الدخول في معاهدة، فالمسلم والذمي (اهل الكتاب) لا يكون رقا واهل الكتاب حالهم في
الدولة الإسلامية كحال المسلم، إذاً الإسلام حصر الرق في (الكافر الحربي فقط).
وأيضا الإسلام وضع شرط أسرى الحرب بيد الحاكم الشرعي الذي يأخذ
بمصلحة المسلمين مراعيا "للزمان والمكان" حيث له ثلاثة أمور:
1- اصدار قرار بالأفراج عنهم.
2- اصدار قرار بالأفراج عنهم بمقابل يدفعونه.
3- اصدار قرار باسترقاقهم واخذهم عبيد.
فالاسترقاق أحد الخيارات لا أنه حكم لازم حتى يقال بأن هناك
امتياز للمسلم على الكافر، وحكم الاسترقاق (حكم تدبيري) أي حكم
"استثنائي" جاء في ظرف معين يعمل في وقته وليس يعمل في كل زمان ومكان
مثل (الحكم القانوني) مثل وجوب الصلاة والصيام الخ.
ويذكر المرجع ناصر مكارم الشيرازي في كتابة (الإسلام وتحرير
العبيد) أن إصلاحات وضوابط فعلها الإسلام لتجفيف ظاهرة الرق والعبودية ومن هذه
الإصلاحات:
1- اعتبارهم جزء من
المجتمع البشري وإلغاء كافة الامتيازات بين الناس وجعل ميزان التفاضل هو (التقوى).
2- اصدار تشريعات
واوامر بالرفق بالعبيد وجعلهم شركاء ومساهمين في حياة ومعيشة سادتهم. فيقول الامام
علي (ع) عن الرسول (ص) (ألبسوهم مما تلبسون واطعموهم مما تأكلون) الى اخره من
الأحاديث الكثيرة للرسول والائمة (ع).
3- نظم الإسلام نظام شامل لتحرير العبيد
وعتقهم خلال فترة تدريجية قصيرة دون أي رد فعل سيء، يقول الرسول (ص) (من أعتق
مسلما أعتق الله له بكل عضو منه عضوا من النار) وهذه الأحاديث تبين تشجيع الصف
الأول من المسلمين لتحرير العبيد ومنهم الامام علي (ع) الذي ورد عنه تحرير ألفا من
العبيد من كد يمينه.
كما وضع الإسلام
ضوابط كثيرة لتحرير العبيد منها:
1 - تحرر العبد بشرط وفاة السيد.
2 - تحرير العبد عبر المكاتبة والتدبير وهو شرط دفع مبلغ يكون
اقل او مساوي لقيمته على أقساط وإذا عجز العبد عن الدفع يجب دفعه من بيت المال من
سهم الزكاة وقد ذكر في القران الكريم (وَالَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتَابَ مِمَّا مَلَكَتْ
أَيْمَانُكُمْ فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا وَآتُوهُمْ
مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ} ... (النور/33).
3 - تحرير العبد لنفسه عبر ثلاث جهات تحرر جزء منه او أن حر
يشتري جديه أو الدية أو اخوانه أو أحفاده الى الدرجة الثالثة يعتق الرق مباشرة.
4-
تحرر العبد في حال فقدانه لبصرة او التمثيل به أو اخصائه.
5-
اختار العبد الإسلام قبل مولاه فيكون بذلك حر.
6-
إذا قطع السيد جزء من أعضاء العبد يكون حر.
7-
إذا انجبت الجارية اولاداً يحرم بيعها ويحرر أولادها وإذا مات سيدها تعتق قهرا.
8-
إذا كان أحد الوالدين حرا يكون الولد حرا.
9 - التحرير الاجباري مثل النذر، الكفارات مثل كفارة الصيام،
كفارة القتل، كفارة الظهار عتق رقبة، كفارة حنث اليمين عتق رقبة، كفارة الإفطار
العمدي في نهار شهر رمضان عتق رقبة.
10 – تحرير العبيد عبر سهم الزكاة للمسلمين أي أنك تدفع سهم في
الزكاة لأجل عتق العبيد.
11 – إذا ارضعت حرة ابن او ابنة جارية يعتق الطفل/ الطفلة.
12- تحرير العبد لعجزة ولكبر سنة ولا يترك لوحده في الشارع بل يدفع
له من بيت المال لتغطية احتياجاته.
ويضيف السيد منير الخباز في محاضرته (الإسلام وظاهرة الرق)،
انه اضافة للضوابط التي وضعها الإسلام لو نظرنا لسيرة أهل البيت في التعامل مع
ظاهرة الرق لوجدنا التالي:
1- النبي محمد (ص) أعتق صفية بنت حيي بن أخطب وجورية بنت الحارث
وتزوجهما وتزوج من مارية القبطية التي اهديت له من ملك مصر، وجعل بلال بن رباح
مؤذن وهو رق، عمار بن ياسر جعله في علية الصحابة وهو رق، سلمان الفارسي قال عنه
سلمان منا أهل البيت وهو رق، وبهذا يبين الإسلام كيف حرر العبيد ورفعهم لمقامات
عالية.
2- الائمة (ع) يشترون بأموالهم العبيد ويعلمونهم ويهذبونهم ثم
يعتقونهم لوجه الله، ويعاملونهم بأحسن المعاملة حيث يجمعون العبيد على مائدتهم
ويأكلون معهم ويلبسونهم مما يلبسون، فهل هناك في عصرنا الحاضر رئيس يتساوى مع
عماله وخدمته في الملبس والمأكل وسائر أمور الحياة الأخرى كما كان في الإسلام؟
3- غالبية أمهات الائمة (8) كانوا جواري وهم أمهات كل من (زين
العابدين والصادق والكاظم والرضا والجواد والهادي والعسكري والمهدي)، تصور جارية
يتزوجها إمام معصوم فتنجب إمام معصوم، هل هناك أعظم من هذا الاكرام!
4- أهل البيت (ع) في هذه الآية ﴿وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى
حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا﴾ بينوا حجم التعامل مع الأسير
ففي اليوم الثالث وأهل البيت (ع) كانوا اشد جوعا ولكن يطعمون الأسير وهو أسير
الحرب!
5- التوصية القرآنية على الاحسان وحسن معاملة ملك اليمين الآية
36: سورة النساء ﴿وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا
وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ
وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ
السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَنْ
كَانَ مُخْتَالًا فَخُورًا﴾.
6- تشريع حرمة التفريق بين الأولاد وامهاتهم في البيع وكراهية
العمل في سوق النخاسين.
7- استحباب تزويج العبيد والاماء ولو كانوا فقراء فقد جاء في
القرآن بسورة النور الآية 32 (وأنكحوا الأيامى منكم والصالحين من عبادكم وإمائكم
إن يكونوا فقراء يغنهم الله من فضله والله واسع عليم).
8- استحباب العتق بعد الخدمة "7 سنين" واستحباب عتق
المملوك إذا ضرب واعتدي عليه واستحباب عتق العبد الهارب.
9- تنصيف العقوبة في الحدود فمثلا لو ارتكبت الجارية الزنى او
السرقة الخ تحصل على "نصف عقوبة" ما تحصل عليه الحرة.
ومن خلال هذه البرنامج والوسائل المختلفة يكون الإسلام أولى
اهتمام كبير بمسالة الرق والعبودية لذا هيأ أسباب ووسائل تحرير وعتق العبيد
تدريجيا الى ان يصل الجيل المستقبلي الى الحرية.
في الحرب العالمية الثانية قبل (75 سنة) تقريبا كان هناك ما
يقارب 9 مليون اسير بين الاتحاد السوفيتي وألمانيا النازية، أكثر من 5.7 مليون شخص
تابع للجيش الأحمر وما يزيد على 3.1 مليون شخص تابع لألمانيا النازية، توفى ما
يزيد على (3) ملايين شخص من الجنود السوفييت في المعتقلات الألمانية أي ما يزيد عن
نصف الاسرى! وما يقارب مليون ونصف توفي من الجانب الألماني في المعتقلات السوفيتية
أيضا ما يقارب نصف الاسرى، اما الناجين من الاسرى فكانوا تحت رحمه الاعمال الشاقة
والاهانات والتعذيب والتنكيل الى جانب ملايين من النساء والأطفال بلا مأوى او طعام
بل كانوا تحت رحمه الاغتصابات والقتل والتنكيل والتهجير واعمال الدعارة، وهذا قبل
(75 سنة) فقط وليس قبل 1400 سنة! وبذلك نعرف ان الضوابط التي وضعت في ذلك الوقت
والزمان كانت أفضل ما يمكن تقديمة بل أفضل من بعض ممارسات اليوم!
ويأتي سؤال هو لماذا لم تكن هذه
الضوابط فاعلة في الغاء الرق في الاسلام؟
ذلك راجع لعدم التطبيق الصحيح للتعاليم الإسلامية الصحيحة مما أدى
الى طول الفترة الزمنية لتحقيق الهدف الذي رسمه الاسلام للقضاء على العبودية،
ولولا ذلك لكان القضاء على العبودية في الاسلام في مدة أقصر بكثير مما وقع وهذا لا
يحسب على الدين الإسلامي بل على أصحابه، لذا يجب أن نميز بين الاسلام كدين وبين المسلمين
لنرى انه وصل الأمر بعد ٥٠ سنة من وفاة النبي (ص) بقتل أحد سبطيه وهو الامام
الحسين (ع) وأسر بنات الرسول سبايا، لقد كانت تلك العصور تعتمد في دخلها على ما
تجنيه من أموال الفتوحات وتحولت الى ما يشبه دول (ريعية) تعتمد على الضرائب
والاقطاعيات وانتشر الفساد المالي والإداري، فبدل تطور وتوظيف تلك الدول الأموال
والطاقات في اتجاه تعزيز التجارة او الصناعة أو الزراعة بل بدلا عنها انتشرت سوق
النخاسة لبيع الجواري والعبيد!
6-
كيف كان الرق في الأديان
الابراهيمية؟
في
اليهودية:
يذكر الدكتور/ محمد
إبراهيم ابداح في كتابة (اسياد العبودية) "كان اليهود من أكبر
المتاجرين بالبشر في كل العصور، انطلاقا من انهم شعب الله المختار وباقي شعوب
الأرض عبيد لهم" حيث عبر تحريفهم للتوراة صاغوا ما يشرعن لهم الرق. ففي
الديانة اليهودية يحق لليهودي استرقاق يهودي أخر في بعض الحالات واما غير اليهودي
فيسترق الى ابد الدهر كما سنذكره تاليا:
1- (رق الحروب) فقد جاء في سفر التثنية: حين تتقدمون لمحاربة مدينة فادعوها للصلح أولاً، فإن
أجابتكم إلى الصلح واستسلمت لكم، فكل الشعب الساكن فيها يصبح عبيدا لكم. وإن أبت
الصلح وحاربتكم فحاصروها، فإذا أسقطها الرب فضرب جميع ذكورها بحد السيف"،
فعند اليهود في حالة الحرب يقتلون الذكور جميعا والإبقاء على النساء والأطفال
كغنائم واما العبيد فيبقون ابد الدهر عبيدا.
2- (رق المديونية) يجوز ان يسترق اليهودي يهوديا اخر إذا كان مديونا ولم
يستطيع الوفاء بدينه.
3- (رق السرقة) يجوز لليهودي استرقاق السارق إذا لم يستطيع دفع قيمة السرقة
فهي موجودة في شريعة إبراهيم واسحاق ويعقوب ويوسف ويعتق اليهودي في السنة السابعة
حيث جاء في سفر التثنية "لا يجوز ان يستعبد اليهودي أكثر من 6 سنوات ويعتقه
في السابعة".
4- (التعامل مع الرق) يجوز ضرب الرق حتى الموت وتقطيع اوصاله وخلع اسنانه
وغيرها كعقوبات.
في المسيحية:
يذكر الدكتور/ محمد
إبراهيم ابداح في كتابة (اسياد العبودية) أنه لا يوجد في الاناجيل الأربعة
المكتوبة بعد رفع السيد المسيح أي نص او نهي مباشر عن العبودية، فالسيد المسيح "حد"
من ظاهرة الرق والعبودية من خلال دعواته وكلماته الداعية للمساواة والعدالة
والمحبة.
وجاء في كتاب (اسياد العبودية)، قال بولس الرسول في رسالته "أيها
العبيد، اطيعوا سادتكم حسب الجسد، بخوف ورعدة في بساطة قلوبكم كما للمسيح ولا
بخدمة العين كمن يرضى الناس، بل كبعيد المسيح" واعتبر الرق في هذه الحالة كأنه
كفارة عن ذنوب البشر يؤديها العبيد لما استحقوا من غضب السيد الأعظم.
وتذكر الكاتبة باتريسيا
ديلبيانو في كتابها (العبودية في العصر الحديث) أن
"واقع الكنسية الكاثوليكية في القرن التاسع عشر انها تصدت لمشكلة العبودية في
نهاية القرن التاسع عشر ولكن لصالح "السود فقط"، حيث تقول الكاتبة انه
لا زال موقفا يصعب التعامل معه داخل العالم الكاثوليكي حتى اليوم، وحتى لوثر
وكالفن يريان ان بعض الرجال يولدون احرار واخرين مقدر لهم ان يستعبدوا لذا حتى
الحركة الإصلاحية البروتستانتية كانت كحال البقية، وحتى ان الباباوات أنفسهم كانوا
يمتلكون عبيدا حتى نهاية القرن التاسع عشر ".
وتذكر الكاتبة "اتريسيا ديلبيانو" (العبودية في العصر الحديث)
"أن المسيحية السلمية والبروتستانتية تحديدا ساعدت على انهاء الرق باعتباره
خطيئة ضد البشرية وكان ذلك في أواخر القرن (السابع عشر)، وحتى عصر التنوير
ورجالاته كان لهم دور غير واضح اتجاه العبيد مثل مونتسكيو وفولتير الذين كانوا
مشتركين بصفة شخصية في تجارة الرقيق من خلال امتلاكهم بعض الأسهم المالية في شركات
تلك التجارة".
وجاء في كتاب (اسياد العبودية) ذكر لموقف شاذ حيث انه في العصور الوسطى في
إنجلترا من أواخر القرن السابع عشر وبداية القرن العشرين انتشرت ظاهرة بيع الزوجات
بدل الطلاق وذلك جراء الفقر او اضطراب وصعوبة إجراءات الطلاق المكلفة أحيانا،
فيربط الزوج حبلا حول رقبة زوجته ويعرضها بمزاد علني وهذا ما يعبر عن شذوذ اجتماعي
خاصة إزاء موقف مبهم للكنسية وللقضاء البريطاني في تلك الفترة.
وفي الختام أود ان ابين أن الأنبياء في الديانات الابراهيمية كانت امهاتهم
او زوجاتهم جواري ولم يتم التعامل معهن مثلما تم تحريفه في العهد القديم والجديد
ومن الأنبياء على سبيل المثال النبي إبراهيم اهدته زوجته سارة جارية وهي هاجر
وانجبت له النبي إسماعيل والذي من سلالته ولد خاتم الأنبياء محمد (ص)، والنبي
يعقوب اهدت له زوجتاه ليا وراحيل جاريتين انجبتا له أولاده الباقين غير يوسف
وبنيامين الخ.
بعد هذا الاطلاع على حقيقة الرق في الإسلام يكون الاسلام اول من عالج هذه
الظاهرة ووضع لها برنامج متكامل لأنهائها نهائيا وذلك لو تم التطبيق الصحيح
لتعاليم الدين.