التجديد في التيار
الإسلامي الشيعي
بقلم: أبومحمد 27 أغسطس 2018
في هذا الموضوع سأتحدث عن
الحالة العامة للتجديد في التيار الإسلامي الشيعي في جوانبه المتعددة الفكرية
والاجتماعية والاصولية والمنهجية والوحدة الإسلامية (أين كنا في مرحلة ما وأين نحن
اليوم!).
التجديد كلمة تعني الإصلاح
والنهضة والتطور وتعني التفاعل مع الاحداث والحاجة للتغيير والاحساس برتابة
الواقع، في البداية سأتحدث عن الظرف التاريخي لعملية التجديد في القرن العشرين
بخصوص التيار الإسلامي الشيعي لان مقاربة الموضوع من ناحية تاريخية ومن ثم عقد
مقارنة بين الواقع قبل نصف قرن وبين اليوم للوقوف على الوقائع المقاربة تعتبر
من اهم الخطوات التي يفترض تعمل عليها وسيكون ذلك عن طريق سرد تاريخي لاهم ما
واجهة التيار الاسلامي في العراق وايران واهم الشخصيات التي وقفت على التجديد في
كل المجالات.
الحوزة العلمية في النجف الاشرف
وقم المقدسة عاشت ابتداء من مرحلة الخمسينيات وتحديدا النصف الثاني من أربعينيات
القرن الماضي شهدت حركة جديدة في كلتا الحوزتين اصطلح عليها "حركة الإصلاح" وكانت لها مبرراتها السياسية والاجتماعية والعلمية وما حصل من تحولات سياسية مهمة
جدا وذلك بتحول النظام من ملكي الى جمهوري، بالانقلاب الذي قام به عبدالكريم
قاسم (1914 – 1963) في العراق عام (1958) والثورة التي قام بها الامام الخميني
(1902 – 1989) في عام (1979).
ففي العراق قدر له بان يشهد
مرحلة جديدة تميزت هذه المرحلة بدخول الحزب الشيوعي لاعبا أساسيا على الساحة
العراقية ولمعرفة حجم تغلل وقوة التيار الشيوعي في العراق فقد صور السيد طالب
الرفاعي احد تلامذة الشهيد الصدر الأجواء
بالتالي: تسربت الماركسية الى مواكب العزاء وحتى وصلت الى مواكب النجف الاشرف عبر
بعض الرواديد وقصائد مثل الرادود فاضل الرادود والشاعر الشعبي عبدالحسين أبو شبع
فكانت مستهلات العزاء اشتراكية وانتشرت صور لينين وستالين على جدران النجف وحتى
دكاكين شارع الرسول ملئت واجهاتها بصور ماركس وانجليز ولينين وذكر الرفاعي انه ذهب مره لمكتبة في النجف
ليشتري كتاب فشاهد ان اغلب الكتب الموجودة في المكتبة تعود للشيوعية والماركسية
فسال صاحب المكتبة بكم هذه الكتب فقال هي مجان خذ منها! لذا كادت النجف الاشرف ان
تكون شيوعية حتى ذكر بعض طلبة العلوم الدينية انهم كانوا يسيرون في مجموعات خوفا من
مضايقات الشيوعيين ولمعرفه كيف وصلت الشيوعية لهذا المستوى نذهب الى جذور وبداية
قدوم الشيوعية الى العراق.
فلاديمير لينين (1870 - 1924) قام
في عام 1917 بقيادة الثورة البلشفية في روسيا وكان شعارها ( الارض، الخبز، السلام)
وعليه اطاح بالحكم القيصري في روسيا، ولينين كان متأثرا جدا بكارل ماركس (1818 -
1883) وفريدريك إنجليز ( 1820-1895) وكان الفكر اللينيني هو تصدير الثورة الى غرب أوربا
في البداية ومنها للعالم وفي العراق كان هناك مجموعة من الطلبة العراقيين الذين
يدرسون في اوربا وشهدوا تلك الثورة البلشفية وتأثروا بها وخاصة عناوينها وشعاراتها
البراقة ومنها الاصلاح الزراعي ورعاية العمال وانهاء الاقطاع الزراعي وتحويل ملكية
الاراضي للدولة لتوزيعها على الفلاحين، عاد هؤلاء الطلاب الى العراق وهم حاملين
تلك الأفكار الاشتراكية وكذلك كان هناك بعض المثقفين ممن تأثروا بأفكار الحزب
الاشتراكي الشيوعي الروسي خاصة بعد قيام الثورة البلشفية عام 1917 بفضح اتفاقية
سايكس بيكو السرية التي كانت عام 1916 بين البريطانيين والفرنسيين وحصلوا على
اوراقها بعد اسقاط القيصر و فنشروها في الصحف ليعرفوا العالم أسباب الحرب العالمية
الأولى (1914 – 1918) وعليه أسس العراقيين في عام (1934) الحزب الشيوعي العراقي
ليكون بعد ذلك اكبر حزب شيوعي في المنطقة واكبر حتى من حزب تودا الشيوعي في ايران،
بعد الحرب العالمية الثانية (1939 – 1945) وانقضاء الحرب اتجه الحلفيان الكبيران
الأمريكي والسوفييتي لإعادة التموضع ونقل الحرب الساخنة التي خاضاها "حليفين"
الى "حرب باردة" كانا فيها على طرفي النقيض وشكلت أمريكا لها حلف في
المنطقة وهو حلف بغداد الذي انشاته عام (1955) للوقوف ضد المد الشيوعي في مقابل
ذلك قام النظام المصري بتشكيل حلف مساند للاتحاد السوفييتي فأعلنت مصر الحلف مع
سوريا وسميت هذه الوحدة بين مصر وسوريا بالجمهورية العربية المتحدة عام (1958) استمرت
نحو أربع سنوات حتى انتهت بانقلاب عسكري في دمشق عام (1961) أما الأردن فلم يعجبه
ذلك فاعلن الحكم الهاشمي الملكي عن تشكيل حلف مع بغداد التابعين لبريطانيا كرده
فعل على حلف مصر وسوريا في نفس السنة ولكن الامر لم يطل لهذا الحلف حيث قام
عبدالكريم قاسم عبر انقلاب عسكري واطاح بالحكم الملكي عام 1958 وقتلت العائلة
المالكة وأعلن النظام الجمهوري وقدر للعراق ان يشهد مرحلة سياسية جديدة كان الحزب الشيوعي
الدور الاساسي والذي كان داعما أساسيا لعبدالكريم قاسم و في الوقت الذي ودع في
العراق الحلف الهاشمي بين بغداد والأردن استقبل غزوا شيوعيا لم تشهده البلاد حيث
كان الحزب الشيوعي ممنوع من التحرك في فترة الحكم الملكي وحيث أن القوميون
والبعثيون يعادون عبد الكريم لأنه ضد جمال عبد الناصر وان عبدالكريم قاسم كان يرى أن عبد الناصر يعمل
لإسقاط نظامه وأن الشيوعيين قوة تحمي حكمه من القوميين والبعثيين والمتدينين ، لذا
تعاون معهم واطلق أيديهم وقد استغل الشيوعيون الفرصة، فأنشأوا المنظمات الشعبية،
وأشهرها منظمة أنصار السلام، وسيطروا على أكثر الاتحادات والنقابات، كاتحاد
الجمعيات الفلاحية، واتحاد الطلبة وأمسكت هذه المنظمات بالعراق، وكان أسوأها
ميليشيا المقاومة الشعبية، التي انتشر مسلحوها في نقاط تفتيش وحكموا البلاد،
فكانوا يعتقلون ويُرعبون، أطلق الشيوعيون في وسائل إعلامهم شعار : الدين أفيون
الشعوب ! وهي مقولة كارل ماركس عن المسيحية، وصوروا المتدين انه معيق لتقدم
المجتمع فكان تحدياً للإسلام وعلماء الدين ومؤسساته، بل قنبلة تدعو إلى الإلحاد،
ورفض الدين من أساسه وانتقدوا حتى وجود المساجد والمشاهد المشرفة، خاصة مناراتها
وأبوابها المذهبة، فكتبوا على جدار صحن مشهد أمير المؤمنين (ع) شعارات شيوعية تسجل
وترسم دون ان تجابه برد فعل ما بل وبلغت جرأتهم أن صاحب دكان مجاور لمنزل السيد
محسن الحكيم ( رحمه الله ) وهو المرجع العام للشيعة في العالم، كان إذا خرج السيد
رفع صوت المذياع في دكانه بأناشيد الشيوعيين فكانت موجة الشيوعية أكبر تحدٍّ
واجهته الحوزة العلمية في تاريخها الحديث لأنه كان غزوا من الداخل والخارج معا، التحالف
بين عبدالكريم قاسم والشيوعيين لم يستمر الا سنوات لخوفه من تغلغلهم ونفوذهم فعاداهم
بل وانقلب عليهم في سنة (1959) وابعدهم من الحكومة فكان حكم عبدالكريم قاسم مهزوزا
مع وجود كره القوميين والبعثيين له وتوتر العلاقة بين المؤسسة الدينية الشيعية بعد
دعمه للشيوعين وتقويتهم وإصداره قانون الأحوال الشخصية وأضاف اليه مواد مساواه
الإرث بين الرجال والنساء وبلغت الأجواء
بين عبدالكريم قاسم والمرجعية النجفية الى عدم استقباله وتحريم الشيوعية والتعبير
عنها انها "كفر والحاد"، وفي سنة (1963) وبتنسيق وإدارة من (سي آي آيه)
كما يذكر الكاتب المصري محمد حسنين هيكل تم الانقلاب على عبدالكريم قاسم من قبل
حزب البعث وذلك في اطار رعاية المصالح الامريكية في العراق فتمت تصفيته واعدامه
مباشرة بعد تهيئة الأجواء لهم من كل اتجاه، وفي ايران كذلك كان هناك تنظيم للحزب
الشيوعي الإيراني الذي أيضا كان ممنوعا في عهد رضا شاه ولكن هذا الامر تبدل في
الاربعينيات بعد اعدام اقطابه الأوائل خاصة الدكتور تقي اراني وازداد أيضا المد
الفكري الشيوعي بعد عزل رضا شاه فقد أنشأوا رسميا لهم حزب توده عام (1941) وقد
أقام الحزب بمساعدة الاتحاد السوفيتي جمهورية مستقلة في أذربيجان بإيران في عام
1945 وساندوا حكومة الدكتور محمد مصدق عام (1951) في موضوع تأميم النفط لتقليل
النفوذ البريطاني الأمريكي في ايران لصالح الاتحاد السوفيتي وهو ما يؤكد قوة هذا
التيار الشيوعي آنذاك في ايران.
في تلك المرحلة بالتحديد شعر
الإسلاميون بأنهم امام غزو لا قبل لهم به وان هذا الغزو الذي لا يستقوي فقط بالدعم
السياسي بل ويسانده نظريات فلسفية اجتماعية وتاريخية عريقة جاءت على ايدي مؤسسيه
خاصة كارل ماركس وفريديك انجليز لذلك شعر الإسلاميون انهم امام هذا الغزو السياسي
والفكري مكتوفي الايدي، في هذا الوقت هناك اشخاص دبت فيهم الغيرة والحمية الدينية
في النجف الاشرف وقم المقدسة وقرروا في فترة زمنية متساوية لكن بدون تنسيق ان
يجابهوا هذا التيار الشيوعي الماركسي، ففي ايران تزامن ذلك مع حلول مرجعيه السيد
البروجوردي عام (1944) في مدينة قم حيث تزعم الحوزة العلمية الفتية في قم المشرفة
والتي لم يمضي على ولادة هذه الحوزة سوى ما يقرب 20 عام إذ أسست عام 1922 وكذلك
تزامن ذلك مع حلول السيد محمد حسين الطباطبائي الفيلسوف والمفسر المعروف في مدينة
قم عام (1945) وفي العراق أيضا كذلك تزامن مع حلول مرجعيه السيد محسن الحكيم عام
(1946) في النجف الاشرف وكذلك تزامن ذلك مع حلول السيد محمد باقر الصدر النابغة
والفيلسوف المعروف، حيث تحرك عدد كبير من العلماء الفتية لانهم في تلك المرحلة
كانوا لا يزالون في مرحلة شبابهم فعاشوا هموما لم يعشها الكبار وفي تلك المرحلة ولحسن
الحظ وجدوا من يساندهم مثل المرجع السيد محسن الحكيم والسيد البروجوردي حيث وجدوا
فيهم خير مساند وخير داعم حيث استطاع هؤلاء الفتية في حوزة قم مثل (السيد
الطباطبائي والخميني والسيد مطهري والسيد محمد حسين البهشتي والسيد موسى الصدر وعلي
شريعتي والشيخ ناصر مكارم شيرازي والشيخ جعفر السبحاني الشيخ جوادي املي، الخ)
وكذلك في النجف الاشرف مثل (السيد محمد باقر الصدر والسيد مرتضى العسكري والشيخ
عبدالهادي الفضلي والسيد محمد حسين فضل الله والشيخ محمد مهدي شمس الدين والسيد
محمد باقر الحكيم ومحمد امين زين الدين والشيخ محمد جواد مغنية، الخ) ففي النجف
الاشرف قامت الحوزة بتشكيل (جماعة علماء النجف) عام (1959) لتكون جبهة المواجهة،
وتتخذ المواقف وتصدر البيانات والتوجيهات للناس وتنتقد الشيوعية وافكارها فكان
تشكيلها بدعم مرجعية السيد محسن الحكيم ويترأسها الشيخ مرتضى آل ياسين، وفي
المواجهة السياسية تم تأسيس حزب الدعوة الإسلامي بعد جماعة علماء النجف، هؤلاء
العلماء جمعهم هم واحد وهو هل انهم يستطيعون ان يتصدوا الى هذا المد الشيوعي
الجارف وهو الذي يثير سؤالا أساسيا في وجهنا وهو اننا نحن ندعي بأننا اتينا بنظام
يستطيع ان يدير دفه هذا العالم فهل تملكون انتم أيها الاسلاميون مقابل ذلك؟ هذا
السؤال كان الهاجس الاساسي الذي ارق جفون هؤلاء الفتية من العلماء ومن هنا اتجهوا
الى محاولة التذليل على ان هذا النظام الفكري الوافد سواء الشيوعي او الراس مالي
ليس من يحتكر امتلاك نظام يستطيع أن يدير هذا العالم واننا نستطيع من خلال النصوص
الإسلامية ان نستخرج ما يبرر وما يؤكد ان النظام الإسلامي نظام يستطيع ان يدير الجهة
الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والإدارية والتربوية الخ وولدت في تلك المرحلة
مجموعة من الاطروحات الفكرية لا زالت الى يومنا هذا من انصع الكتب التي قدمتها
الحركات الإسلامية فولد على سبيل المثال "أسس الفلسفة والمذهب الواقعي
للطباطبائي وتلميذه المطهري والذي سعي فيه لتبيان وتوضيح كل الانحرافات المادية
الديالكتيكية وولد كتاب فلسفتنا الذي السيد الشهيد محمد باقر الصدر والذي تم الحرص
على ان يتحرك على جبهتين جبهة فكرية يحاول من خلالها ان يدلل ويؤكد على ان للإسلام
نظام فلسفي ورؤية كونية ولديه مفاهيم نستطيع من خلالها ان نقابل المد الشيوعي
الوافد وفي الوقت نفسه كان يتحرك في الجانب النفسي لانه كان حريص في سلسلة كتبه
فلسفتنا واقتصادنا ومجتمعنا من خلال هذه العناوين ان يبعث لهذه الجماهير الشابة
بنحو من الاطمئنان والقوة أن تجعلهم يطمئنون بان "لا وجود يقابل وجودهم"
ولتبيان بان لنا كيان ليس باقل من الكيان الذي يأتي به الطرف المقابل من هنا انتعش
حال الحركة الإسلامية بعد صدور هذه الكتب وأيضا هناك كتب للبقية من العلماء في
جوانب متعددة لا نستطيع تعدادها وبهذا نستطيع القول بأن الحالة الإسلامية بعد هذا
الكتب كانت شيء وقبلها شيء اخر وهذه الكتب استطاعت ان تمد للحالة الإسلامية روح
جديدة وعليه انبعث الامل من جديد في نفوس هؤلاء الشباب وراحوا يؤسسون المجلات الفكرية والاجتماعية والسياسية التي
يعالجون فيها موضوعات من هذا القبيل فظهرت على سبيل المثال في قم المقدسة سنة
(1958) مجلة مكتب الإسلام والتي كان على راسها "الشيخ جعفر السبحاني"
وبرزت في النجف الاشرف مجلة الأضواء الإسلامية سنة (1960) والتي تشرف عليها اللجنة
التوجيهية لجامعة العلماء وغيرها من المجلات وعلى طول هذه السلسلة استطاع السيد
الطباطبائي في قم المقدسة ان يتمرد على الواقع الذي تعيشه الحوزة العلمية في قم من
خلال نبذها الدرس الفلسفي واستطاع من خلال تضحياته الجسام جدا مثل "قطع رواتب
اكثر من مائه طالب يحضر درس الفلسفة عنده" من قبل المرجع البروجوردي بعد
تحريض المتشددين في الحوزة على السيد الطباطبائي وطلب منه تدريس الفلسفة بشكل خفي
وليس علني وبعد رسالة من الطباطبائي للسيد البروجوردي وافق المرجع على تدريس
المادة بشكل علني، وهذا مما يبين لنا مدى التراجع وعدم ادراك مقتضيات العصر في
الحوزات ومدى التضحيات التي تم تقديمها لأجل النهوض من واقع الى واقع اخر فاليوم
اذا كان في حوزة قم المقدسة من يستطيع ان يدرس القران والتفسير والفلسفة بنحو
علني فهذا كله مدين الى تضحيات وجهود السيد الطباطبائي. في النجف الاشرف بخصوص درس
تفسير القران والفلسفة ألتفت الى ذلك السيد محمد باقر الصدر حيث انه قبل فترة من
استشهاده عمد الى تحويل جزء من درسه الاصولي الى درس في التفسير القران.
المكاسب التي حصل عليها التيار الديني في
تلك المرحلة:
1- مجموعة من الكتب خاصة كتابات
"السيد الصدر، مطهري، الطباطبائي" استطاع من خلالها التيار الديني ان
يبين للعالم بإن الدين الإسلامي لديه نظام معرفي متكاملا ومن هذه الكتب تم التدليل
في كثير من المواقع على ضعف تلك الأنظمة الوافدة وان النظام الإسلامي هو الأمثل
للحل ويستطيع ان يقود الحياة.
2- تم في تلك المرحلة رجوع
الاخر المذهبي "السني" الى كتابات المفكرين في المذهب الشيعي، بمعنى ان
هؤلاء العلماء المفكرين في المذهب الشيعي لم يتقوقعوا ولم يكونوا علماء لطائفتهم
فقط بل كانوا لجمهور الإسلام بمختلف طوائفه وذلك عبر الطرح والتعبير وجودة المباني
التي اقترحوها جعلت منهم مرجعا إسلاميا.
3- تم تكوين جسور قوية امتدت من
طرف اهل السنة باتجاه الحوزة العلمية في قم مثل الشيخ محمود شلتوت/الشيخ أحمد حسن
الباقوري المرجع البروجوردي وباتجاه الحوزة العلمية في النجف الاشرف حتى ان الامر
في السبعينيات كانت هناك شرائح من المثقفين المصريين باتت ترجع الى السيد محمد
باقر الصدر من خلال كتابه الفتاوي الواضحة لهذا نشهد ان هناك شرائح من اهل السنة يرجعون
الى الفتاوي الواضحة في بعض المسائل.
4- من مكاسب تلك الفترة رجوع
الإسلاميين السنة الى المفكرين الشيعة مثل ما حصل في سنة (1967) فقد تسلم الشهيد
الصدر رسالة من اللجنة التحضيرية "لبيت التمويل الكويتي" المُشكلة من
قبل وزارة الأوقاف الكويتية من اجل وضع نظام بنك إسلامي غير ربوي في الكويت واعطت
السيد الصدر مهلة (6) شهور من اجل الجواب واجتمع مع ثلاث مختصين بالأمور المصرفية
للاستفسار حول المعاملات المصرفية وكيفية انشائها وبذلك كتب الشهيد الصدر كتاب (البنك
اللا ربوي في الاسلام - اطروحة للتعويض عن الربا ، ودراسة اوجه نشاطات البنوك في
ضوء الفقه الاسلامي ).
5- يذكر التونسي الدكتور
عبدالباقي الهرماسي في مجموعة بحوثة بعنوان " الاسلام الاحتجاجي في
تونس" «ومن بين الكتاب الذين هم أكثر رواجاً لدى الإسلاميين والذين وقع ذكرهم
في هذا الشأن، نجد محمد باقر الصدر وسيد قطب وعلي شريعتي» وقد وضع الدكتور
الهرماسي نسباً بيانية لقراءات الإسلاميين التونسيين من الكتب، فيحتل فيها السيد
محمد باقر الصدر الرقم الأول بعد القرآن الكريم مباشرة، ففيما يحتل القرآن الكريم
نسبة 73 %، يحتل الصدر من بعده نسبة 54 %، وسيد قطب 35 %، ثمّ علي شريعتي 31 %.
أين كنا وأين نحن
اليوم؟
1- الظاهرة التي شهدناها في
الستينيات والسبعينيات للأسف الشديد محرومون منها اليوم لأننا لا نجد ان هناك جسور
ممتدة بين مذاهب الدين الإسلامي الواحد مع انها كانت مفعله جدا في تلك المرحلة.
2- كان مقدرا أن نشهد مرحلة
ثورة ونهضة جديدة في الفقه بعد انتصار الثورة في ايران بحيث تتعمق وتتجدر لان حال
الفقه والفكر في ظل وجود حكومة غير حالة في ظل غياب هذه الحكومة وعلى سبيل المثال
كان يرى السيد الصدر بان المرحلة باتت متهيئة الى أن نشهد انقلاب جديد في الفقه والمعرفة
التي ندرسها في الحوزات لأنه هناك انكماش للفقه الشيعي في مقابل الفقه السني وأحد مبرراته أن الفقه الشيعي كان منكمشا في القرون الهجرية الأولى في مقابل الفقه
السني والذي كان يعيش فترة الحكم اما الفقه الشيعي فلم يكن في مرحلة الحكم ومرحلة
الحكم بطبيعتها تستوجب اثارة جملة كبيرة المشاكل وبالتلى هذه المشاكل تحتاج الى
حلول وهذه الحلول يجب ان يعالجها الفقه.
3- كان من المفترض أن يحدث تحول
فني وهو ان هذا الفقه من المفترض أن ينتقل من وضع معالجة الفقه الفردي الى معالجة
الفقه الاجتماعي هذا ما كان يعيشه الصدر ومطهري والطباطبائي في تلك المرحلة.
4- في التسعينيات شهدنا على
صعيد الطائفة للأسف الشديد حروب بينيه باسم الدفاع عن المذهب وباسم الدفاع عن العقائد
الحقة وأدت هذه الحروب داخل الطائفة الى تشرذم والى تكتلها في "معسكرين"
معسكر دافع عن هذه الأفكار ومعسكر دافع عن الأفكار المقابلة وكان من الممكن ان تتم
معالجة هذا الملف معالجة مختلفة.
5- من اثار أزمة التسعينيات ان
الشخص الذي مترقبا منه ان يطور في انظمته الفكرية بات اشد تمسكا بها لا لأنه مقتنع
بها بل لأنها باتت تلازم وجوده في ظل هذه الازمة وبحيث انه بات يدافع عنها بطريقة
غير مستساغة وهو ما أدى الى تقهقرنا الى الوراء والى الرجوع لما قبل الستينات ذلك
كله نتيجة هذا الشحن الطائفي الذي عشناه والذي أدى الى التشرذم.
6- شهدنا في الفترة الحالية هدم
كل الجسور التي كانت قد بنيت بين مذاهب الدين الإسلامية الواحد لذلك لم يعد الاخر
المذهبي ينظر اليك بوصفك مرجعا يمكن ان تكون موطنا لحل المشاكل وذلك لصورة الانقسام
الذي حصل للطائفة نفسها بالإضافة للجانب السياسي الذي نعيشه.
7- هناك مشاريع كانت في
الستينيات والسبعينات كانت قد بدأت لتطوير الفكر والفقه الشيعي لم يكتب لها
الاستمرارية الى اليوم! مثل مشروع كان للسيد محمد باقر الصدر على صعيد الروايات
وهو العمل على تقسيم الروايات من حيث قوة سندها ومن حيث دلالاتها الى أربع دوائر وتكون
الدائرة الاضيق هي الدائرة التي تحتوي على الأحاديث قطعية السند وواضحة الدلالة
فقط وتكون هذه الأحاديث هي فقط التي ينبغي ان تكون الغذاء الفكري للامة والتي يجب
ان تطل الحوزة على الامة من خلال هذه الدائرة الضيقة من الأحاديث.
المؤمل:
أولا: هناك تياران تجديديان داخل الوسط الحوزوي
التقليدي والتجديدي والتجديدي ينقسم لقسمين متدرج في التجديد واخر يذهب للتجديد
مباشرة واليوم مثلا هناك تيار يحاول تجديد الفكر والمفاهيم الإسلامية من الداخل
ويحاول تطوير اللغة الى لغة عصرية تناسب العصر ومن رموز هذا التيار (المرجع ناصر
مكارم الشيرازي) حيث له بحث عن رمي الجمار وان للحاج الخيار بضرب الشاخص
"العمود" أو الارض المحيطة بها لأنه حسب رايه لا يوجد شاخص في العصور
السالفة والعمود مجرد دلاله على موقع الجمرة و(المرجع السيد علي الخامنئي) الذي
قدم تطويرا إداريا في الحوزة مثل تطوير المناهج وإدخال مواد عملية والعلوم الحديثة
وتدريس الأديان المختلفة واللغة الاجنبية ووضع شروط لقبول طالب الحوزة وهناك (المرجع
يوسف الصانعي) الذي له اراء جريئة ومستحدثة مثل مساواة الديه بين المرأة والرجل
وعدم اشتراط الذكورة في الولاية والحكم والمرجعية وسائر شؤون الفقيه، والمعيار
لديه هو الفقه والتقوى وهناك (المرجع
السيد محمود الهاشمي الشاهرودي) الذي له اراء بشان دلالة آية الخمس خلافا للسائد
وغيرهم من المراجع الذين يتقدمون بشان التجديد الداخلي التدريجي.
ثانيا: يذكر الشيخ حيدر حب الله
نقطة مهمة في التواصل بين الاخر المختلف وهي أنه "يجب تطمين النفوس"،
ويجب ان يكون هناك تعامل خاص مع اي جهة قلقة، لان الانسان القلق يقرا الامور
بطريقة مختلقة عليك ان تعطيه الطمأنينة، بعض النقاد الذين اشتغلوا بعملية النقد
الديني لم يراعوا هذا القلق الموجود عند الفريق الاخر وطريقة النقد احيانا طريقة
جارحه خاصة لفريق القلق، يجب ان يشعروا بجد بانك متحرق على الدين مثلهم، هناك ازمة
ثقة قبل ان تكون ازمة معرفة مثلا هناك فريق يقول انكم قدمتم السياسة على الدين
وفريق اخر يقول انتم انعزاليون ورجعيون ومتخلفون، وذلك راجع للجفاء بين الفريقين
عدم وجود تواصل يسبب صور متعددة والمطلوب المبادرة من كلا التوجهات حيث وضع
المنطقة كله في حالة تشنج وذلك راجع لتشنج طائفي ومذهبي صنعة الغرب في المنطقة فلا
تستطيع ان تقول ان المشكلة فقط داخل الحوزة لان هذا الوضع المتشنج في المنطقة
الخارجي يرمي بثقلة على وضعك الداخلي فاذا ارتاحت الأوضاع السياسية والمذهبية
انزاحت ازمة الهوية لدى الجميع كل واحد يخاف على وجوده وهويته وهي تمثل ازمه الثقة
وهو ما يعطل النهضة.
ثالثا: هو ذكره
هؤلاء العلماء والمفكرين المجددون الذين ذكرناهم والذين يعتقدون بان التجديد
والإصلاح ينبغي بان ينبثق من رحم الحوزة وهي المؤسسة الدينية فالعودة لما كتبه
هؤلاء العظام أمثال الشهد الصدر في أطروحة المرجعية الصالحة/الرشيدة وما فعله الشهيد
مرتضى مطهري من خلال من كثير من عمليات النقد التي مارسها لأجل تطوير المؤسسة
الدينية أو ما طرحه السيد محمد حسين فضل الله من مشروع المرجعية المؤسسة هو ما
سينقل الواقع اليوم لأفضل مما كان واقوى من السابق.
رابعا: وضع "خطة تبليغيه
للحوزة العلمية" حيث يقول (السيد منير الخباز ) بهذا الخصوص، لقد ذهبت للعراق فوجدت ان اتجاه
الشباب يتجه الى التيار اللا-ادري واللا-ديني والتيار الالحادي من المسئول عن ذلك؟
الشباب في الغرب الذين نلتقي بهم ونجلس معهم ونرى مظاهر الانحراف الفكري والسلوكي لذا
نسأل اين الخطة التبليغية؟ انا ابن الحوزة ومن داخل الحوزة وانا أستاذ في الحوزة
وصار لي 40 سنة في الحوزة وأقول ذلك اين الخطة التبليغية؟ الخطة التبليغية التي
تعتمد على "ثلاث ركائز":
الأولى: اعتماد تخصصات علمية من
علم النفس والاجتماع والإدارة تسهم في فاعلية الخطة التبليغية.
ثانيا: اين الدراسات الميدانية
لواقع الشيعة ولواقع المسلمين والشباب الفكري والسلوكي في مختلف المناطق؟.
ثالثا: اين الحلول الفكرية وأين
الحلول التربوية التي وضعت على طاولة المناقشة ودرست دراسة مستفيضة ثم رسمت.
لذلك نتساءل باستصراخ واستغاثة
اين الخطة التبليغية التي تعتمد هذه العناصر والاسس والركائز اليس من حقنا ان نسأل
ونصرخ ونستغيث؟ الوضع الشبابي الفكري والسلوكي ينهار بكل سرعة ونحن ما زلنا بطيئين
جدا ومازال عملنا بطيئا جدا! أليس من حقنا ان نسأل اين الخطة التبليغية؟ ويظهر لنا
سؤال لماذا انتم تطرحون هذه القضايا على المليء العام لماذا لا تطرحونها في داخل
الحوزة وتناقشون العلماء في داخل الحوزة هذا تسائل صحيح ونحن أيضا نقول هذا طرحناه
في داخل الحوزة نحن تحدثنا مع جملة من العلماء جملة من الخطباء جملة من الأستاذة جملة
من المنظرين وقلنا ان الوضع في انهيار وانه يحتاج الى خطة وعمل مدروس وأقول الى
الان ممكن يوجد في الحوزة همم وارادات جدية وعقول مفكرة وعقول منظرة لا ننكر ذلك
ولكن الى الآن لم ترسم هذه الخطة التبليغية رغم وجود الكفاءات والقدرات العلمية
والمعرفية في الحوزة العلمية الى الان لم تحصل! نحن نطلب ان تحصل ونناشد ان تحصل
من داخل الحوزة ومن خارجها.
"أنتهى"
المصادر:
1- كتاب الحركة الإسلامية الشيعية
في العراق.
2- كتاب محمّد باقر الصدر.. السيرة
والمسيرة في حقائق ووثائق ج1،2.
3- كتاب الطائفية، الطائفية،
الطوائف المتخيلة (الجزء الخاص بالعراق).
4- الشيخ عبدالهادي الفضلي وتجديد
مناهج التعليم الديني.
5- كلمة السيد منير الخباز "
دور المؤسسة الدينية في مسيرة الأربعين".